االفقرة الثالثة: مداخلة د. سيمون سلامة
طبيعة النظام اللبنانيّ
يحدّد الدستور بمرتكزاته، شكل الدولة، النظام ألسياسي، تنظيم عمل السلطات وحماية حقوق المواطنين وحرياتهم. انطلاقاً من ذلك، الهدف من اعتماد نظام سياسي ما، هو ايجاد استقرار دائم، ويتحقق ذلك عندما يتلائم هذا النظام مع بنية المجتمع
في وصف واقعيّ وتصويريّ بحت، ومن غير أيّ خلفيّة إيديولوجيّة، أرى، بالعين المجرّدة وبالبصيرة، واقعًا معيشًا أُبرِزه بالآتي، في دولة لبنان التي تقترب من استكمال قرن على وجودها:
1. إنّ أزمنة اللاإستقرار، في دولة لبنان، تفوق، في المدى، أزمنةَ الاستقرار. مع الإشارة إلى أنّ شعبها خاض، خلالها، صراعًا دمويًّا في ما بين فئاته، على اختلاف تصنيفهم، مرّتَين، ولـمّا يتوقّف الصراعُ بعد.
2. عَجَزَ النظام اللبنانيّ عن إيجاد قانون انتخابيّ ذي قواعد أساسيّة ثابتة. فالقوانين الانتخابيّة صدرت إمّا عن رؤساء جمهوريّة بهدف خدمة مصالحهم السياسيّة، وإمّا بقوّة وصاية خارجيّة، لم يكن لمجلس النوّاب من مخرج سوى الانصياع لها. ولاحظنا، في كلّ الأحوال، أنّ هذه القوانين، إمّا صدرت بمراسيم اشتراعيّة، وإمّا أقرّها المجلس النيابيّ كما أحيلت إليه بدون أن يدخل عليها أي تعديل.
3. يشكّل شعور اللبنانيّين التعدّديّ، انتماءً وولاءً، عقدة مزمنة، عزّزت من تخبّط المجتمع اللبنانيّ. فما إن تهدأ أزمة، لسببٍ ما، حتى تعود وتشتعل لسبب آخَر. ولم يستطع النظام اللبنانيّ أن يؤالف في ما بين هذه التعدّديّة العفويّة والواقعيّة، ولا أن يقودها في مجرى يصبّ في صالح الجميع. علمًا بأنّ المغتربين اللبنانيّين حقّقوا معجزة على هذا الصعيد. فلم تتناقض وطنيّتهم وولاؤهم للبنان مع وطنيّتهم لأوطان الاغتراب وولائهم لها.
4. منذ مطلع الاستقلال اللبنانيّ، في العام 1943، وحتى اليوم، لا يزال أمر "رئاسة الجمهوريّة" مسألة خلاف، تارةً ضمنًا، وطورًا صراحةً وبفجاجة. ومثله، حينما أعلن الرئيس رشيد كرامي ترشيحه لهذا المنصب في العام 1958. وحتى قبل ذلك، في العام 1932، عندما ترشّح له الشيخ محمد الجسر.
وربّما يرتبط بهذه الأرضيّة، ضمنًا ولو إلى حدّ، ما يدور من جدل حيال موضوع ما يُسمّى "الثلث الضامن"، أو "الثلث المعطّل"، في تشكيل الحكومات، بعد "اتّفاق الطائف".
5. بعد التعداد السكّانيّ (الإحصاء) في العام 1932، لم يُقدم النظام اللبنانيّ على القيام بتعداد سكّانيّ آخَر. ولا يبدو، حتى الآن، أنّه قادر على إتمامه. والدخول في تفاصيل هذه المسألة، في نتائجها وعواقبها المرتقبة، قد ينال من صيغة "العيش المشترك" في لبنان، ومن مستقبله.
وتعبير "المناصفة" و"المثالثة"، اليوم، ليس سوى إشارة ذات صلة وثيقة، أيضًا، بـ"التعداد السكّانيّ"، وخلاف على مستوى التوازن السياسيّ اللبنانيّ الداخليّ.
6. أمّا عن قضايا التعليم والثقافة فحدّث ولا حرج. فمنذ وَضْعِ مناهج التعليم في العام 1929، والنظام اللبنانيّ يتخبّط في التناقضات التي تعبّر عن الانقسام العموديّ بين اللبنانيّين في الشأن التعليميّ-الثقافيّ.
ولا يزال بعضنا يتذكّر الخلاف القويّ حيال لغة تدريس العلوم والرياضيّات، ومسألة التعطيل الأسبوعيّ، وأيّام الأعياد الدينيّة في المدارس، وكتابَي "التربية" و"التاريخ" الموحّدَين، إلخ... وكذلك الجدل، في مطلع العام 2004، في ما يتعلّق بانضمام لبنان إلى "المنظمة الإسلاميّة للتربية والعلوم والثقافة (إيسيسكو)"، وذلك الذي جرى إثر اكتشاف أنّ لبنان انضمّ إلى "ميثاق الوحدة الثقافيّة" و"دستور المنظمة العربيّة للتربية والثقافة والعلوم" (أليكسو) منذ العام 1990.
هذه الأمور التي أثرتُها هي بمثابة أمثلة، فحسب، عن إشكاليّات وعيوب وشوائب نعاني منها. والهدف هو أن نفهم طبيعة نظامنا. أمّا تلك الإشكاليّات والعيوب والشوائب، بحدّ ذاتها، فهي نتائج. إنّها تعبير عن حقائق موضوعيّة، ومعطيات تكوينيّة في المجتمع التعدّديّ اللبنانيّ، كشفت عنها، وأقرّت بحقيقتها، الحياةُ السياسيّة اللبنانيّة اليوميّة العمليّة. وإذا أردنا الوصول إلى إدراك حقيقة نظامنا، علينا أن نتفادى الـ"قَبْليّات" الإيديولوجيّة، كما جرت العادة، والتي أفسدت في التشخيص الصحيح، وحوّرت في فهم الواقع المعيش.
على استقصائنا أن يتوسّل الأسلوب والنهج العِلميَّين. إذّاك يتبيّن لنا أنّ نظامنا القائم هو:
ديقراطيٌّ، بمقدار.
وحرّ، بمقدار.
وجمهوريّ، بمقدار.
وبرلمانيّ، بمقدار.
ومركزيّ، بمقدار.
وفدراليّ، بمقدار.
وعلمانيّ، بمقدار.
ومدنيّ، بمقدار.
وطائفيّ، بمقدار.
وطوائفيّ، بمقدار...
وهو ليس تيوقراطيًّا،
ولا ملَكيًّا،
ولا دكتاتوريًّا،
ولا بوليسيًّا.
فما هو، إذًا؟
وما اسمه بكلمة، أو كلمتَين، أو ثلاث، أو أكثر؟
لستُ أدري.
إنّما أنا على ثقة في أنّ هذا النظام، بعد البحث العلميّ، لا يتآلف البتّة ومجتمعَنا التعدّديّ، في مقتضياته ومرتجياته.
|