الالفقرة الثالثة: مداخلة د.ماري تريز عقل
رئيس الجمهورية في النظام اللبناني
ان النظام اللبناني يجمع بين ما هو دستوري وما هو مشاركة طوائفية في السلطة هو نظام مختلط يرتكز على دستور مكتوب وعلى دستور عرفي غير مكتوب هو ميثاق 1943 او الميثاق الوطني.
ومع تعديلات 1990 ونتيجة اتفاق الطائف تحدد الاطار الدستوري للنظام اللبناني وذلك من خلال مقدمة الدستور:
نصت الفقرة ج على ان لبنان جمهورية ديمقراطية برلمانية فعبارة برلمانية لم يكن منصوص عنها صراحة في دستور 1926.
أكدت الفقرة ه على مبدأ الفصل بين السلطات وتوازنها وتعاونها وهذا المبدأ أساسي وجوهري في كل نظام برلماني. وهذا المبدأ كان ظاهراً أيضاً في دستور 1926 بفعل توزيع السلطات: المجلس النيابي (المادة 16 السلطة التشريعية) ومجلس الوزراء (المادة 17 السلطة الإجرائية) القضاء (المادة20 السلطة القضائية).
أخيراً الفقرة ي نصت "على ان لا شرعية لأي سلطة تناقض ميثاق العيش المشترك".
من خلال هذه الفقرات نستنتج ان النظام اللبناني برلماني يكرس مبدأ الفصل بين السلطات وتوازنها وتعاونها، لكن يرتبط نجاحه بالمحافظة على التوازن الطائفي في السلطة وهذا التوازن يجب أن لا يكون على حساب المبادئ الدستورية .
لا نريد اليوم أن نعيد شرح "النظام اللبناني" "وطبيعة النظام" "وخصوصية النظام " التي غالباً ما استعملها ويستعملها رجال السياسة كحجة للاطاحة بالدستور والمبادئ الدستورية وحتى العدالة الدستورية .
لان ذلك يذكرنا بحكام وزعماء الدول النامية او حتى الانظمة الديكتاتورية فهم يلوحون دائماً بشعارات "الخصوصية الاثنية" "الدينية""الثقافية""العرقية" وغيرها ليبرروا عجزهم تجاه شعبهم ببناء دولة القانون وعدم احترامهم للدستور وحقوق الانسان.
خطابات مبنية على العصبية من أجل شرعنة وجودهم وتبرير اخفاقهم في عملية بناء الدولة.
فالسؤال المطروح اليوم ، هل المشاركة الطوائفية في الحكم؟ ...الميثاق ، الصيغة والتوازن... تبرر:
الاطاحة بالمبادئ الدستورية
الاطاحة بالقوانين الانتخابية والعملية الانتخابية
الاطاحة بالمؤسسات الدستورية والاعتكافات المتتالية التي نشهدها والتي حولت النظام السياسي والحياة السياسية الى تجازبات ومساومات يمارسها جميع الاطراف في الحكم لتحقيق المكاسب.
1- رئيس الجمهورية ضامن للتوازن:
رئيس الجمهورية هو الذي يضمن التوازن بين المبادئ الدستورية ومتطلبات خصوصية النظام والعيش المشترك . وهذا ما نص عليه الدستور في المادة 49 هو "رئيس الدولة ورمز وحدة الوطن " و المادة 50 "عندما يحلف اليمين الدستورية من اجل المحافظة على الدستور".
إذاً على الرئيس ان يمارس دوره كحكم la fonction d’arbitrage لتجاوز أي تعطيل أو فراغ.
مع العلم ان هذا الدور لا يمكن ان يستقيم الا بإحداث بعض التعديلات على الدستور:
- اعطاء دور أساسيّ لرئيس الجمهوريّة في حلّ المجلس النيابيّ.
- تحديد دور الرئيس في تأليف الحكومة.
- تحديد مهلة لتأليف الحكومة.
لن اطيل الكلام عن ماهية التعديلات المطلوبة، سنكون متفاءلين اليوم نظراً لعدم امكانية اجراء تعديل دستوري في الوقت القريب. لكن من المهم الوقوف عند ثابتة أن صلاحيات رئيس الجمهورية اللبنانية في الحكم ليسى منحة أو منّة من أحد وإنما حق أعطاه اياه الدستور.
2- المساكنة في الحكم والممارسة الديمقراطية
سأتكلم عن التجربة التي عاشتها فرنسا سنة 1986 و 1993 و 1997 واطلق عليها تسمية au pouvoir La cohabitation المساكنة في الحكم، لعلنّا نستخلص منها العبر في الممارسة الديمقراطية وكيفية المحافظة على المبادئ والعدالة الدستورية.
في العام 1986 اثناء الانتخابات النيابية الفرنسية كان الشعب يتسأل : ماذا سيكون موقف الرئيس ميتران إذا فازت الاغلبية من الاحزاب اليمينية في الانتخابات النيابية؟ هل سيستقيل الرئيس ؟
فكان جواب الرئيس ميتران في 8 نيسان 1986 عندما وجه رسالة الى البرلمان
« La Constitution, rien que la Constitution, toute la Constitution. »
وسمى من بعدها الرئيس جاك شيراك رئيساً للحكومة لانه كان يمثل الاكثرية النيابية وحدد سريعاً موقفه من تأليف الحكومة وقال: "سنؤلف حكومة وسنؤمن لها كل الوسائل للحكم مع حرصنا على تطبيق الدستور…"
« Le gouvernement aura tous les moyens pour gouverner … »
« …mais veillera cependant à ses prérogatives, notamment en ce qui concerne la politique extérieure et la défense. »
Cette situation inédite tourne cependant rapidement à l’avantage du Président .
فأقر جميع الاطراف واعتبروا أن مصلحة البلاد والدستور هي الاهم وهي التي تجمعهم.
كما حدد رئيس الجمهورية دوره كحكم وكضامن للدستور وحدد ايضاً دوره بالنسبة لتأليف الحكومة، فاعتبر أن هناك Domain réservé بالنسبة للخارجية والدفاع والقضاء...واطلق عليها وقتذاك تسمية: Le droit de veto du Président
كما عاشت فرنسا فترة مماثلة في الحكم من سنة 1993 الى سنة 1995 حين سمى الرئيس ميتران ادوار بلادور رئيساً للحكومة عندما فازت ايضاً الاغلبية من الاحزاب اليمينية في الانتخابات النيابية .
L’originalité de cette deuxième cohabitation réside dans le fait que des critiques à l’encontre de la politique économique et sociale du gouvernement émanent aussi de sa majorité parlementaire et plus précisément du parti dont est issu le Premier ministre .
وما ميز هذه "المساكنة في الحكم" عن الاولى هو أن الحكومة لاقت معارضة شديدة لسياستها الاقتصادية في اخر عهدها من الاغلبية النيابية (اليمينية) التي كانت تمثلها أكثر من المعارضة (اليسارية) التي ينبثق عنها رئيس الجمهورية .
كما عاشت فرنسا فترة المساكنة في الحكم la cohabitation au pouvoir من سنة 1997 الى 2002 عندما سمى الرئيس شيراك، للسيد جوسبان رئيساً للحكومة لانه كان يمثل الاغلبية اليسارية التي فازت في الانتخابات النيابية.
وفي حديث للرئيس شيراك قبل صدور النتائج الانتخابية قال :
" N'oublions jamais qu'elle [la France] ne pourra défendre ses intérêts que si elle est capable de parler d'une seule voix, et d'une voix forte ».
لا يمكن لفرنسا أن تحدد مصالحها الوطنية الا من خلال صوت واحد وقوي ....
فكان جواب الرئيس جوسبان في اليوم التالي و اثناء الحملة الانتخابية :"لمهم أن يحترم كل واحد وظيفته التي أناطها له الدستور".
Lionel Jospin réagit le lendemain en affirmant qu'en cas de cohabitation, il est évident que la France parlera d'une seule voix et il rappelle, dans un entretien au Figaro, que : "En matière de cohabitation, la Constitution est claire sur les pouvoirs de chacun. La cohabitation n'est plus une situation mystérieuse, puisqu'il y en a eu déjà deux. Ce qui compte c'est de respecter la fonction de chacun..." .
اعتبر الرأي العام الفرنسي أثناءها ان هذه المساكنة ليست عائقاً في الحكم وشكلت اضافة على الممارسة الديمقراطية .
هؤلاء الرؤساء لم يستقيلوا ولم يصوموا عن العمل السياسي بل احتكموا الى الدستور ومارسوا دورهم كحكم وكشريك مع باقي الاطراف رئيس الحكومة والحكومة والمجلس النيابي...
فالرئيس الفرنسي في فترة المساكنةcohabitation au pouvoir La مارس واجبه الديمقراطي من خلال الدستور ولم يصور نفسه يوماً عاجزاً، فكان دائماً ميتران يردد "لا ينتخب الرئيس لكي لا يعمل شيئاً..."
François Mitterrand répète sans relâche : « On n'élit pas un Président pour qu'il soit inerte, pour qu'il ne fasse rien ...»
كما قال الرئيس شيراك ليس من الضروري أن يكون رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء من نفس الحزب السياسي ليعملوا معاً ان الدستور ومصلحة البلاد هي التي تجمعهم ."
En transposant le modèle politique de la cohabitation à la française entre le Président de la République et le Premier Ministre, « il n’est pas nécessaire que le chef de l’Etat et le Premier Ministre soient du même parti pour pouvoir travailler ensemble. La constitution les lie ainsi que l’intérêt du pays » .
واذا قارنا بين المادة 5 من الدستور الجمهورية الخامسة ومقدمة المادة 49 من الدستور اللبناني لوجدنا أن المشرع اللبناني كما الفرنسي استعملا نفس العبارات لتحديد دور الرئيس:
- المادة 49 من الدستور اللبناني "يسهر على احترام الدستور"
- المادة 5 من دستور الجمهورية الخامسة :
Article 5 de la Constitution de la Cinquième République
" ..Le Président de la République veille au respect de la Constitution. "
- المادة 49 من الدستور اللبناني :" المحافظة على استقلال لبنان ووحدته وسلامة أراضيه وفقاً لأحكام الدستور ..."
- المادة 5 من دستور الجمهورية الخامسة :
Article 5 de la Constitution de la Cinquième République : « …Il est le garant de l'indépendance nationale, de l'intégrité du territoire... »
ومن خلال المادة الخامسة من الدستور الفرنسي حدد رئيس الجمهورية دوره في الحياة السياسية من ناحية التحكيم والمحافظة على الدستور وتأليف الحكومة وتسمية الوزراء.
Les domaines réservés du Président dans le gouvernement
فكان له دور في اختيار الوزراء في الخارجية، الدفاع والعدل وهذا ما سمي Le veto du Président
لم ترد صراحة في الدستور اللبناني عبارة " الرئيس الحكم Arbitre " ولكن بشكل غير مباشر نصت المادة 49 من الدستور اللبناني على أن "...رئيس الدولة هو رمز وحدة الوطن..." وفي ذلك اشارة واضحة الى الدور الذي يجب ان يضطلع به وهو دور الحكم la fonction d’arbitrage بين مختلف الفرقاء والأتجاهات .
فعلى الرغم من تقليص صلاحيات الرئيس لم يتجه المشترع اللبناني يوماً نحو رئاسة فخرية بدون مضمون.
ان هذه المقارنة بين المواد الدستورية وفترات المساكنة في الحكم في فرنسا هدفها القول ان معيار التعطيل والاعتكاف وشل البلد لا يمكن ان يغلب على الحياة البرلمانية والديمقراطية، وأن نجاح صيغة العيش المشترك في لبنان تكون بقدر ائتلافها وتفاعلها مع النظام البرلماني .
3- صيغة العيش المشترك والنظام البرلماني
التوازن مطلوب، ولكن إلى جانب التوازن يجب أن يكون هناك تعاون. هذا الأمر لا يعني قيام صيغة حكم بثلاثة رؤوس هدفها الغاء المؤسسات الدستورية، والطعن بدور الرئيس الحكم (الضامن للدستور) والطعن بدور البرلمان. أين مفهوم الرقابة البرلمانية في الدستور( )؟ وطرح الثقة بالحكومة...او بالوزراء منفردين.
أين المجلس الاعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء؟ ( المادة 80 من الدستور) فلا يجوز للرؤساء الثلاثة ان يختزلوا المؤسسات الدستورية بأشخاصهم، وتتحول خلافاتهم إلى معطل للمؤسسات.
4- شرعية رئاسة الجمهورية (Légitimité Présidentielle)
نحن بحاجة الى رئيس قوي يتمتع بشرعية يستمدها اولاً من الدستور بعبارة أخرى يحدد الدستور الأسس التي تستند إليها هذه الشرعية وثانياً الرأي العام وإرادة الشعب وقبوله ورضاه.
ان مفهوم الانتخاب في العلم القانوني والسياسي مغاير تماماً عن مفهوم الاتفاق، و علينا الاحتكام والرجوع الى الدستور وعدم الاطاحة بهذه السهولة بالمجلس الدستوري و بالعدالة الدستورية :
فاحترام ومراعاة الأصول الدستورية في انتخاب رئيس الجمهورية هو الذي يعطي للرئيس الشرعية، وحيث أن رئيس الدولة ورمز وحدة الوطن، يسهر على احترام الدستور..." (المادة 49 ) لذا ينبغي أن يكون شرعياً ومنتخباً أصول ليتسنّى له أن يطبق الدستور.
ومن هذا المنطلق وبالرجوع الى النص المادة 49 : "ينتخب رئيس الجمهورية بالاقتراع السري بغالبية الثلثين من مجلس النواب في الدورة الأولى، ويكتفى بالغالبية المطلقة في دورات الأقتراع التي تلي...". كما نصت المادة المادة 75 إن المجلس الملتئم لانتخاب رئيس الجمهورية يعتبر هيئة انتخابية collège électoral لا هيئة اشتراعية assemblée législative ou délibérative ويترتب عليه الشروع حالا في انتخاب رئيس الدولة دون مناقشة أو أي عمل آخر.
وجعلت المادة 75 من الدستور المجلس النيابي الملتئم لانتخاب رئيس الجمهورية هيئة انتخابية لا هيئة اشتراعية، وهذا ما يوجب استبعاد نصاب الأكثرية المطلقة المحدّد في المادّة 34 من الدستور في مجال تطبيق المادّة 49 لأنّ المادّة 34 مرتبطة بقيام المجلس بوظيفته التشريعية في حين أنّ المادّة 49 تحدّد وسائل قيام المجلس بممارسة اختصاصه الإضافي بانتخاب رئيس الجمهورية وهو اختصاص مستقل تماماً على الصعيد الدستوري عن وظيفة التشريع...
وبما ان المادّة 49 من الدستور جعلت من رئيس الجمهورية رئيساً للدولة ورمزاً لوحدته وعندما يقبض على مقدّرات الحكم، أن يحلف يمين الإخلاص لدستور الامة اللبنانية وقوانينها وحفظ استقلال الوطن اللبناني وسلامة اراضيه، وفاقاً للمادّة 50 من الدستور، الأمر الذي يحتّم بديهياً أن يوجب الدستور نصاباً موصوفاً ومميّزاً لانتخابه بالنظر لتميّز موقعه ومقامه ورمزيته ودوره الوطني وقسمه ....
وأخيراً ، فإن العدالة الدستورية وشرعية الرئيس تقتضي ان ينتخب رئيس الجمهورية من قبل مجلس نواب شرعي غير ممدد له بصورة غير شرعية يضع الرئيس المنتخب في وضع قابل للطعن بدستوريته .
|