الفقرة الخامسة: مداخلة د. جورج يزبك
بداية، لنعترف نحن اللبنانيين، أننا مسؤولون عن الازمة السياسية التي أوجدنا أنفسنا في صميمها، لاننا نريد التوافق لكن بمعيار أكثري، ونريد الاكثرية لكن معيار توافقي، نريد الديمقراطية لكن نرفض نتائجها، ونريد الدستور لكن نرفض الالتزام بمنطوقه.
أريد أن أطرح أولاً المشكلة من خلال تساؤلات في الاساس.
- هل نحن أمام أزمة حكومة أو أزمة حكم؟
- أزمة سياسية ام أزمة وطنية؟
الجواب السريع أننا أمام أزمة حكم، وأزمة كيان، وأزمة وطنية بدليل العناصر التالية:
1- عدم احتكامنا الى الدستور وعدم احترام مهله وآلياته لانتخاب رئيس للجمهورية، أو لانتخاب مجلس النواب، أو في تأليف الحكومة، الامر الذي لا يحصل الا بتدخل خارجي، ومناخ اقليمي- دولي على غرار اتفاق الطائف واتفاق الدوحة وما نتج عنهما.
2- تصرف الفرقاء في زمن الازمات الكبرى، وفي لحظة التحولات الكبرى، تصرفاً سياسياً وأقل، بينما المطلوب تصرف وطني وأكثر.
3- القبول بحل وسط أو حل توافقي يعبّر عنه عادة بنجاح سياسة تدوير الزوايا لكن بعد فوات الاوان، بعد مرحلة قاتلة من المراوحة وخسارة الوقت، وهذا يظهر أن اللبناني، وأقصد المسؤول اللبناني، لا يتقن فن ادارة الوقت الضائع لصالح الخير العام. يأتي الحل التوافقي بعد فشل اختبار عض الاصابع الذي غالباً ما يقود الى أرباح شخصية متبادلة، لكن الى خسارة كبيرة في الرصيد الوطني العام.
اذاً عدم الاحتكام للدستور من جهة، والاجتهاد السياسي في معرض النص من جهة ثانية، يجعلان الاستحقاقات مزاج الشارع السياسي، خاصة وأن كل جهة سياسية وطائفية تتمتع بنوع من حق النقض "الفيتو"، وهذا ما يعبّر عنه تهذيباً بالميثاقية.
هل المطلوب للحل لامركزية الفيتوات الموزعة على القيادات التي تمثل الطوائف، أم مركزية السلطة بيد رئيس الجمهورية، ليس من قبيل انتمائه الطائفي، بل لموقعه الدستوري؟
أعتقد أن الافتراض الثاني يشكل المدخل الحقيقي للحل. فلقد خسرنا في الدستور ما كان مونتسكيو يسمّيه (La faculté d’empêcher) هذه السلطة ولو المحدودة أساساً بحق وقف اصدار القوانين، يجب تعميمها واعتمادها كاجراء للافلات من الازمات السياسية. يجب تعميمها كسلطة منع: منع الازمة السياسية من الاستفحال، منع العطلة السياسية، منع التعطيل، منع الفراغ.
وهذا يستوجب بالتأكيد تعديل الدستور واسترجاع بعض صلاحيات رئيس الجمهورية مقرونة بملء الثغرات الفاضحة في الدستور وفي مقدمها وجوب تحديد مهلة للتأليف، ينتهي بانقضائها التكليف. فكيف نلزم الحكومة بمهلة 30 يوماً من تاريخ صدور مرسوم تشكيلها للتقدم ببيانها الوزاري(م 64)، ولا يحدد الدستور مهلة لتأليفها. كيف نفسر تحديد مهل لاصدار القوانين وهي شهر من تاريخ احالتها من مجلس النواب الى الحكومة أو 5 أيام اذا كانت معجلة (م 56)، وتحديد مهل للقرارات الصادرة عن الحكومة، ولم يحدد الدستور مهلة للسلطة التي تصدر هذه القوانين. بكلام آخر، عالجنا الفعل وأهملنا الفاعل، عالجنا الفرع وأسقطنا الاصل.
طبعاً ليس المطلوب العمل بنظام (Pocket veto)، أو (Veto de poche) كما هي صلاحيات الرئيس الاميركي، ولا العمل بنظام (Veto du tiroir) أو فيتو الدرج، كما هي الحال في بورتو ريكو، لاننا نكون كمن ينتقل من تعطيل بالامر الواقع الى التعطيل بالدستور.
المطلوب مأسسة الاداء، بدءاً باعمال قاعدة "لا اجتهاد في معرض النص"، وصولاً الى التعامل مع الثغرات الدستورية بمقتضى القواعد الآمرة، وإلا لا خلاص من الازمة. فيمكن مثلاً هنا بفعل عدم تحديد مهلة للتأليف، اعمال قاعدة المهلة المعقولة التي يأخذ بها القانون الاداري.
أعتقد أن الحلول الجذرية، فيجب البحث بها في صلب النظام، وأبرز العناوين التي يجب السير بها، اللامركزية الادارية الموسعة كأحد أبرز الاصلاحات في النظام بوجهته الداخلية، والحياد الايجابي كأحد أبرز الاصلاحات في سياسة الدولة ببعدها الخارجي.
في كل الاحوال، يجب الخروج من نظرية الظروف الاستثنائية، والا اعتماد التناسب بين الاجراءات المستخدمة والظرف الاستثنائي، بمعنى تسريع ملء الفراغات على اختلافها لعلة الظرف الاستثنائي، هذا هو الحل وبالتأكيد لا ننتظر صلاة استسقاء سياسية، بل صدمة انقاذية على يد الجميع.
|