الفقرة الثانية: مشاركة د. جوزاف عيسى
صلاحيَّات رئيس الجمهوريّة بين التصنيف الدستوري والواقع العملي
بعدما كانت السلطة الإجرائيَّة، بيد رئيس الجمهوريَّة، حيث كانت المادَّة (17) "القديمة" تنص على أن "تناط السلطة الإجرائيَّة برئيس الجمهوريَّة وهو يتولاها بمعاونة الوزراء وفقاً لأحكام هذا الدستور"، أصبحت بيد مجلس الوزراء الذي تتمثَّل فيه الطوائف وفق ما جاء في التعديل الدستوري الصادر في 21/ 9/ 1990 إذ جاء في المادَّة (17) الجديدة "تناط السلطة الإجرائية بمجلس الوزراء، وهو يتولاها وفقاً لأحكام هذا الدستور". بناءً على ما تقدَّم يمكن طرح السؤال الآتي: ما هي صلاحيَّات رئيس الجمهوريَّة اللبنانيَّة في ضوء الدستور المعدَّل؟ وبالتالي كيف تتوضَّح هذه الصلاحيَّات من منطلق مقاربة التصنيف الدستوري مع الواقع العملي؟
سنحاول الإجابة عن هذه الإشكاليَّة من خلال طرح أسئلة ثلاث:
أولاً: ما هو التصنيف الدستوري للنظام اللبناني الذي يمكن من خلاله تبيان صلاحيَّات رئيس الجمهوريَّة وفق التعديل الجديد؟
يصنَّف النظام اللبناني قياساً على الأنظمة السياسيَّة المقارنة المعمول بها في العالم، بأنَّه نظام برلماني، ولقد جاء في مقدَّمة الدستور اللبناني في الفقرة "ج" أنَّ "لبنان جمهوريَّة برلمانيَّة..." وجاء في الفقرة "ه" أنَّ "النظام قائم على مبدأ الفصل بين السلطات وتوازنها وتعاونها"، وهو المبدأ الأساسي الذي تقوم عليه الأنظمة البرلمانيَّة، ذلك أنَّ النظام الديمقراطي البرلماني بقدر ما يؤكِّد على فصل السلطات وتوازنها، يؤكِّد أيضاً على التعاون بين السلطتين التشريعيَّة والإجرائيَّة، وهذا ما يعتمده لبنان في النص الدستوري لنظامه السياسي.
غير أنَّ التصنيف الدستوري للنظام اللبناني يعترضه الواقع السياسي في أغلب الأحيان، فعلى الرغم من اعتماد نظامه، كبنية دستوريَّة، للنظام البرلماني، لم تحقِّق العمليَّة السياسيَّة ومعها مسألة إنتاج السلطة في علاقتهما مع النظام، التطابق مع المعايير التي يقوم عليها النظام البرلماني، حيث طغت التوازنات الطائفيَّة على العمليَّة السياسيَّة، وباتت هذه الأخيرة أسيرة مجتمع تتنازعه معايير مختلفة تتقاذف قواه السياسيَّة في فهمها لديناميَّة العمليَّة السياسيَّة المنتجة للسلطة.
إنَّ بنية النظام لم تجعل من العمليَّة السياسيَّة تدخل الإطار المدني، المرتكز على أسس تقوم على التوازنات السياسيَّة الهادفة إلى التنافس وفق مشاريع، تتَّفق عليها أو تعارضها القوى السياسيَّة، ضمن مفهوم الدولة الجامعة، إنَّما هي أسيرة توازنات لا تلبث أن ترتدي الرداء الطائفي، الذي يغلِّب مصلحة الطائفة على حساب مصلحة الدولة، والذي لا يعكس بالضرورة الطروحات السياسيَّة التي ترجِّح طرحاً على آخر وفق معايير الديمقراطيَّة التنافسيَّة، إنَّما بالفعل يقبع على النظام ويكبِّل الإرادة السياسيَّة التي تحاول التفلُّت من بنيته اللاديمقراطيَّة.
فالواقع أنَّ النظام السياسي اللبناني بقي أسير توازنات لها علاقة بالماضي وبالتاريخ، ولم تستطع القوى المتحرِّرة من تلك التوازنات، الهادفة لبناء الدولة الديمقراطيَّة، من صياغة مشروع جديد يقوم على معادلة جديدة، ما جعل من الدستور يتأرجح بين المبادىء الدستوريَّة وواقع بنية المجتمع، ذلك "أنَّ معرفة الأوضاع الدستوريَّة معرفة صحيحة، تتطلَّب دراسة موجَّهة، ليس فقط إلى علاقتها بالمبادىء الدستوريَّة، وإنَّما أيضاً إلى شكل انبثاقها من النظام الاجتماعي القائم فيها".
إنَّ التصنيف الدستوري للنظام اللبناني الذي اعتمد النظام البرلماني كمعيار تقوم عليه أسس المؤسَّسات السياسيَّة للدَّولة، جعل من حالة النظام في علاقته مع المجتمع تتطلَّب التوفيق بين التصنيف البرلماني للدستور من جهة، والبحث عن سبل توفِّق بين التصنيف الدستوري والواقع من جهة ثانية، ذلك أنَّ تصنيفاً دستوريَّاً لا يتطابق مع بنية المجتمع وتفاعلاته السياسيَّة، يجعل من هيكليَّة الدولة تتداعى كلَّما طرح موضوع لا يجد في النظام مخرجاً لحلِّه، فتتعقَّد الأزمات وتزداد تداعياً، كون البنية الدستوريَّة للنظام اللبناني لا تتطابق مع البنية المجتمعيَّة المركَّبة وتوازناتها السياسيَّة.
إن انتشار ظاهرة الدولة على المستوى العالمي، لا يعني أنَّ أشكالها متطابقة، فإذا اعتمدنا الزاوية التاريخيَّة اكتشفنا فروقات تجعل مختلف الدول قابلة للتصنيف، إلا أنَّ العمل يتعثَّر عندما نحاول إيجاد أساس علمي لهذا التصنيف، وذلك لا يعني أنَّ العلوم السياسيَّة تفتقر للتصنيفات، إلا أنَّ هذه الوفرة النسبيَّة لا تفيد بشيء إذ يفاجأ قرَّاء القانون الدستوري بأنَّنا غالباً ما نعود إلى أرسطو؛ من هنا ينبغي البحث في مكان آخر عن أساس التصنيف لنماذج وأشكال السلطة.
لذا من أجل مقاربة النظام السياسي اللبناني من الوجهة العلميَّة وإعطائه تصنيفاً دستوريَّاً، يتطلَّب الأمر التدقيق المعمَّق في البنية المجتمعيَّة، لاستخراج القواعد الدستوريَّة التي تتناسب مع هذه البنية وتتفاعل فيها العمليَّة السياسيَّة باتِّجاه أو بآخر، حيث "إنَّ في تسمية النظام الدستوري بالنظام السياسي توسُّعاً لمحتوياته. والسبب، أن في هذه التسمية تتجلَّى القواعد الدستوريَّة، أكانت خطِّيَّة أو عرفيَّة، التي تتولَّى أمر التجاوب مع متطلِّبات المجتمع السياسي، وذلك، كما أشار إليه موريس دوفرجيه"، لأنَّ "النظام السياسي يرمي إلى الإجابة عن كل سؤال من الأسئلة التي يطرحها المجتمع في شؤونه السياسيَّة، كتولية الحكَّام، وتحديد وظيفتهم، وتوزيع وظائف الدولة بين ولاتها، وإقامة الحدود لتقييد سلطاتهم، وما سواها من المشكلات".
إنَّ مسألة تصنيف النظام الدستوري اللبناني تتطلَّب التدقيق بالممارسة اليوميَّة كمنهج مرتبط بصياغة رؤية قابلة للتطبيق؛ والتصنيف، كمضمون هو المدخل لدراسة إشكاليَّات يعاني منها النظام اللبناني، حيث يندرج من ضمنها، "إشكاليَّة المساواة في الائتلافيَّة"، لكي لا تطغى مجموعة طائفيَّة على مجموعة طائفيَّة أخرى، "وإشكاليَّة فصل السلطات"، لكي تبقى عمليَّة التوازن بين السلطة الإجرائيَّة والسلطة التشريعيَّة قائمة وهي صفة من صفات النظام البرلماني؛ وتبقى إشكاليَّة أخرى وهي "إشكاليَّة ديناميَّة التغيير"، حيث ضرورة العمل على صياغة نظام سياسي يأخذ في الاعتبار البنية المجتمعيَّة اللبنانيَّة المركَّبة، دون أن تلغى مفاهيم الديمقراطيَّة وتمكين الشعب من ممارسة سيادته، من خلال الاعتراف بحقِّه في المشاركة السياسيَّة عبر تمكين قواه المتفاعلة من أن تحقِّق طموحاتها بالوسائل الديمقراطيَّة تلك التي لا تتَّفق بالضرورة مع المسألة الطائفيَّة.
ومن أجل الإحاطة بالتصنيف الدستوري الملائم، يقتضي القيام بالدراسة المعمَّقة لمفاصل البنية المجتمعيَّة والسياسيَّة للبنان، من أجل وضع نظام سياسي يتناسب مع هذه البنية، ولكي يصبح التصنيف الدستوري للنظام اللبناني متطابقاً مع التوازنات المجتمعيَّة-السياسيَّة التي تطرأ على ديناميَّة العلاقة بين المجتمع والنظام، فيأتي النظام السياسي اللبناني مستجيباً لمتطلِّبات المجتمع، متفاعلاً مع خصوصيَّته الذاتيَّة، حيث لا يجوز الاستمرار باتِّباع قواعد دستوريَّة فصِّلت على قياس مجتمعات معيَّنة وتطبيقها على لبنان، "فلا تنطبق أنماط النظام البريطاني على المجتمع اللبناني"( )، وبالتالي لا يمكن تطبيق القواعد الدستوريَّة المعمول بها في لبنان قياساً على قواعد النظام البريطاني، فالبرلمانيَّة المطبَّقة على المجتمع البريطاني تختلف قواعدها عمَّا هي عليه في المجتمع اللبناني.
إنَّ التفتيش عن القواعد الدستوريَّة التي يمكن مطابقتها مع النظام السياسي اللبناني، وجعل التصنيف الدستوري يندرج من ضمن قواعد جاهزة، قد لا يأتي بنتيجة حتى للذين يريدون أن يستخدموا النظام من أجل صنع التغيير السياسي في البنية المجتمعيَّة، لا بل قد يكون العكس هو المؤثِّر والفاعل بشكل يضمن التحوُّل ممَّا هو موجود إلى ما هو مبتغى، ضمن خطَّة وطنيَّة هادفة لتحقيق هذا الهدف والذي تتبنَّاه المجموعات الطائفيَّة، كونها اقتنعت أنَّ استمرارها في السياسة على أساس أنَّها وحدات سياسيَّة منتظمة في بنية الدولة، قد يهدِّد بقاء الدولة ويهدِّد وجودها هي أيضاً، وهي بذلك قادرة على أن تتنازل عن مكتسباتها لصالح الدولة.
إنَّ الرهان على النص الدستوري كضامن للتوازنات المجتمعيَّة، التي أصبحت في بنية التوازنات السياسيَّة، قد لا يكون مجدياً وقد لا يتَّفق مع بنية الدَّولة الحديثة المتفاعلة باتِّجاه التواصل القائم على المصالح، في أغلب الأحيان، وليس بالضرورة تلك القوى المتشكِّلة من بنى طائفيَّة، "ذلك أنَّ النص لا يضمن ذاته، وضمانته في الفعاليَّة تكمن غالباً خارج النص، في بنية السلطة وتوازن القوى في المجتمع والثقافة السياسيَّة السائدة والقضاء المستقل واستقلاليَّة القرار الداخلي".
إنَّه لمن الملح أن تتوفَّر الضمانات السياسيَّة للقوى المجتمعيَّة من أجل تحقيق الديمقراطيَّة، في الأنظمة السياسيَّة التي أقرَّت أنَّ من حق الشعب أن يقرِّر تكوين السلطة، وهذه الضمانات قد لا تتحقَّق ما لم تتفاعل القوى المجتمعيَّة والسياسيَّة في الواقع وتتوازن، بغية الإقرار بقاعدتين أساسيَّتين هما قاعدة المشاركة وقاعدة فصل السلطات، حيث إنَّه يشكِّل التوفيق بين هاتين القاعدتين معضلة النظام السياسي اللبناني القائم على توازن متعدِّد، غير أنَّ البحث عن الحل قد لا يكون من خارج التوازنات الدَّاخليَّة إنَّما بالضرورة لا يكون إلا ذاتيَّاً، نابعاً من طبيعة النظام نفسه.
وقد أثَّرت التدخُّلات الخارجيَّة على بنية النظام، ولم تستطع الديناميَّة الداخليَّة أن تحدِّد معايير التجربة الجديدة التي قام عليها ميثاق الطائف ودستور 1991، حيث تعرَّض النظام لتشويه بنيوي فرضته التوازنات السياسيَّة المتأثِّرة بالتدخلات الخارجيَّة، فكان الاستعمال المفرط لمصطلح "الرئاسات الثلاث وممارسة الترويكا، حيث بات مفهوم تقاسم قالب الحلوى (المحاصصة) مناقضاً للمشاركة ويحد منها"، فالدستور ينص على أنَّه هناك "رئيس للدَّولة وليس رئاسات ثلاث، وأنَّ "رئاسة الجمهوريَّة مؤسَّسة"، وبالتالي فإنَّ "رئيس الجمهوريَّة إذا دخل عضواً في الترويكا أصبح داخلاً في لعبة سياسيَّة ضيِّقة، ذلك أنَّ المشاركة تتحقَّق في مجلس النوَّاب وفي مجلس الوزراء، وهما قطبان دائمان للحوار"، كذلك فإنَّه "لا تتم المشاركة من خلال الرئاسات، لأنَّ المشاركة على مستوى الرئاسات تنسف مبدأ فصل السلطات"، ولقد شكَّلت الترويكا انحرافاً مخالفاً لروحيَّة الطائف، وفق ما نجم عن تطبيق منحرف "للرئاسات العليا"، المخالف لدورها القائم على حماية المؤسَّسات.
مع التذكير بأن وثيقة الوفاق الوطني لا تقرّ بمنطق التحاصص بين الرئاسات الثلاث، إنَّما تحدِّد الأطر المؤسَّساتيَّة التي تتفاعل من خلال القوى السياسيَّة لتأمين المصلحة العامَّة، ولا تجيز بأيِّ حال الانحراف عن منطق الدولة الراعية لجميع المواطنين، لتتحوَّل تحاصصاً بين أصحاب النفوذ والسلطة، إنَّما العمل على تحقيق التوازن السياسي الضامن للمشاركة وفق تحديد الخيارات السياسيَّة التي تحققها العمليَّة الديمقراطيَّة، وهو بذلك تنصِّب رئيساً فائق الصلاحيَّات بصفته حارساً لمبدأ الشرعيَّة.
قد يكون من الأجدى أن نبحث في النظام اللبناني، ومن أجل تحديد التصنيف الدستوري، من خارج النص، والبحث عن العلاقة القائمة بين النصوص وعدم تطابقها مع الواقع في أماكن أخرى لها التأثير الفاعل في الجمود أو في عدم التغيير في البنية المجتمعيَّة اللبنانيَّة؛ فمنها مؤثِّرات داخليَّة ولا شك، إنَّما يبقى للمؤثِّرات الخارجيَّة الدور الفاعل، حيث "تطرح عدَّة تساؤلات حول طبيعة النظام السياسي في لبنان (...)، ففي لبنان تختلط عدَّة عوامل مع بعضها لتشكِّل نظامه السياسي وقد تتناقض هذه العوامل في كثير من الأحيان لتبرز صعوبات عمليَّة"( )، حيث النظام السياسي اللبناني تتنازعه معطيات نظريَّة وأخرى واقعيَّة.
ثانياً: إذا كان التصنيف الدستوري للنظام اللبناني من الناحية النظريَّة يقوم على مبادىء النظام البرلماني، فكيف هو الواقع العملي لبنية النظام؟
أتت التعديلات الدستورية لعام 1990 مرتكزةً على اتِّفاق الطائف لعام 1989، الذي كان بمثابة ميثاق جديد قام بين اللبنانيِّين، نتيجة توازنات سياسيَّة فرضتها محصَّلة حربٍ استمرَّت خمسة عشر عاماً، لتتحدَّد التسوية السياسيَّة على قاعدة مشاركة الطوائف في السلطة الإجرائيَّة، والتي ترتكز على نتيجة الانتخابات النيابيَّة، مقرِّرة بذلك من هي القوى الممثِّلة للشعب في مؤسَّسة المجلس النيابي.
وكانت تلك التسوية ترتكز على شبه إجماع وطني وعلى دعم عربي ودولي، الأمر الذي أدَّى إلى نهاية الحرب الأهلية، وكان من المتوقَّع أن تنعم الحياة السياسيَّة اللبنانيَّة بالاستقرار، إلا أنَّ الواقع السياسي قد جعل من تلك المعادلة تسلك في الاتِّجاه المعاكس، حيث لم يطبَّق الدستور وفق ما تحدَّد في النصوص أو ما جاء في الميثاق، بل إنَّ تطبيقاً مشوَّهاً جعل من النظام السياسي ينحرف عن المسار الذي كان مرسوماً له، ذلك أنَّ اللاعبين السياسيِّين الذين كانوا يسيطرون على العمليَّة السياسيَّة لم يطبِّقوا الدستور وفق ما تحدَّد في النص، الأمر الذي يذكِّرنا بما قاله العلامة الدستوري دوغي: "ليس للقانون الدستوري أي ضابط سوى حسن نيَّة وصدق الرجال الذين يطبِّقونه".
وإذا استثنينا التدخُّلات الخارجيَّة والسيطرة السياسيَّة التي كان لها الدور الفاعل في تحديد مسار اللعبة السياسيَّة في لبنان، وتطرَّقنا إلى النظام اللبناني في واقعه العملي من خلال علاقة المؤسَّسات السياسيَّة بعضها ببعض، لوجدنا النظام تحوَّل عن مساره المقرَّر في الدستور وفي التسوية السياسيَّة التي أقرَّها اللبنانيُّون في الطائف، فقد "انزلق النظام، نحو سيطرة السلطة التشريعيَّة التي أصبحت بمنأى عن خطر الحل، بعد أن وضع الدستور شروطاً تكاد تكون تعجيزيَّة (...) ظهرت من خلال تطبيق هذا التعديل الذي أعقبته صلاحيَّات سياسيَّة، صيغة الترويكا التي اختزلت المؤسَّسات بأشخاص رؤسائها والتي اغتالت مبدأ فصل السلطات".
إنَّ العلاقة بين السلطتين التشريعيَّة والتنفيذيَّة لم تعد مطبَّقة وفق ما تنص عليه الأنظمة البرلمانيَّة، الأمر الذي جعل من المجلس النيابي مسيطراً على مجلس الوزراء؛ ففي وقت يستطيع فيه مجلس النوَّاب التحكُّم بعمل مجلس الوزراء والتأثير عليه، لا يستطيع هذا الأخير فعل الشيء نفسه في علاقته مع مجلس النوَّاب، فعلى "صعيد العلاقة بين السلطتين الاشتراعيَّة والإجرائيَّة، فقد عزَّزت التعديلات الدستوريَّة رقابة المجلس على الحكومة في حين قُيِّدت السلطة الإجرائيَّة في حل المجلس بشروط غير قابلة للتحقيق، لأنَّها مرتبطة بإرادة المجلس نفسه".
إنَّ حق السلطة الإجرائيَّة في حل المجلس هو العنصر الأساس في التوازن بين السلطتين الاشتراعيَّة والإجرائيَّة في الأنظمة البرلمانيَّة، وهو يوازي حق المجلس في ممارسة رقابة مستمرَّة على الحكومة وسحب الثقة منها وإسقاطها عند الاقتضاء، وهو ضابط أساسي للعلاقة بين المؤسَّستين الاشتراعيَّة والإجرائيَّة، خصوصاً عندما يكون المجلس مشرذماً، على غرار مجلس النوَّاب اللبناني، لا توجد فيه كتل برلمانيَّة تشكِّل أكثريَّة داعمة للحكومة.
فحق حل المجلس يمكِّن الهيئة الناخبة، أي الشعب الذي هو مصدر السلطات، من القيام بدور الحكم في أي خلاف يقع بين السلطتين الاشتراعيَّة والإجرائيَّة، وإنَّ حرمان السلطة الإجرائيَّة من هذا الحق يؤدِّي إلى وقوع الحكومة تحت رحمة المجلس، فتتعرقل أعمالها، وقد لا تستقيل، ولا يسحب المجلس الثقة منها، فيتهدَّد عمل المؤسَّسات الدستوريَّة بالشلل، ليدب الضعف والوهن في سائر مؤسَّسات الدَّولة، وقد تستقيل أو يسحب المجلس الثقة منها، فينجم عن ذلك تبديل سريع للحكومات وعدم استقرار في الأوضاع السياسيَّة.
إنَّ تكبيل عمل مجلس الوزراء في وجه مجلس النوَّاب جعل من التوازن غير متوفِّر بينهما، حيث إنَّ "الصلاحيَّة التي تتيح لمجلس الوزراء حق حل مجلس النوَّاب، ممَّا يتيح هيمنة المجلس النيابي على ما عداه من السلطات، فوضع شروطاً قاسية على مجلس الوزراء لاستعمال هذا الحق، جعل من اتِّخاذه أمراً متعذِّراً إن لم يكن مستحيلاً، ممَّا جعل السلطة التشريعيَّة بمنأى عن هذا الخطر الذي تخشاه المجالس النيابيَّة في لبنان، هذا الأمر يخالف الأسس والمبادىء البرلمانيَّة ويجعل من دستورنا دستوراً مجلسيَّاً وعمليَّاً فهو يشترط لاستعمال هذا الحق امتناع المجلس عن الاجتماع طوال عقد عادي أو عقدين استثنائيَّين متواليين لا تقل مدَّة كل منهما عن الشهر أو في حال ردِّه الموازنة برمَّتها بقصد شل يد الحكومة عمليَّاً".
إنَّ هذا الواقع الذي جعل النظام السياسي ينحرف عن آليَّات عمل النظام البرلماني، يفترض البحث عن مخرج دستوري يعيد الى النظام ديناميَّته في إطار المؤسَّسات الدستوريَّة، فبغياب قدرة الحكومة على حل مجلس النوَّاب، بسبب سيطرة هذا الأخير عليها، هل يكون المخرج الدستوري بإعطاء هذه الصلاحيَّة لرئاسة الجمهوريَّة؟ خاصَّة أنَّ هذا الأمر لا يتعارض مع أحكام الدستور؛ أو ليس من صلاحيَّات رئيس الجمهوريَّة أن يسهر على احترام الدستور؟
إنَّ بنية المجتمع ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالنظام السياسي وتجعل من أنماط اتِّخاذ القرار تبني قاعدتها على تلك البنية، ذلك "أنَّ نظام الدولة يحدِّد أطر العمل السياسي، وقواعد ممارسة الحكم، وآليَّة اتِّخاذ القرار، غير أنَّ بنية المجتمع تؤثِّر مباشرة في عمل المؤسَّسات الدستوريَّة، فالقوى والفئات والأشخاص، الذين يمارسون السلطة، ينبعثون من واقع المجتمع ويعبِّرون في ممارستهم عن هذا الواقع؛ فالعلاقة بين بنية النظام السياسي وبنية المجتمع وطيدة، وهي التي تحدِّد معالم الحياة السياسيَّة الأساسيَّة في الدولة، وترسم مسار تطوُّرها".
يدلّ ذلك على أنَّ النظام اللبناني في تحديده للأطر السياسيَّة وقواعد ممارسة الحكم وآليَّة اتِّخاذ القرار، انعكست بنيته المجتمعيَّة على بنية مؤسَّساته السياسيَّة، وما التعديل الدستوري الذي جاء في اتِّفاق الطائف إلا دليلٌ على استجابة المؤسَّسات الدستوريَّة للتوازنات المجتمعيَّة-السياسيَّة، إلا أنَّ الملفت في النظام اللبناني أنَّه لم يجعل من العمليَّة السياسيَّة تستجيب في ديناميَّتها السياسيَّة الداخليَّة لهذا التعديل ليتحدَّد صواب القواعد الدستوريَّة من خطئها، حيث "يمر كل تعديل دستوري، وفي أي بلد في مرحلة تجربة واختبار تؤدِّي إمَّا إلى توازن وفاعليَّة في الممارسة أو اضطراب يتطلَّب الضبط والتصحيح".
ولقد طغت في الممارسة، التوازنات الطائفيَّة على الأصول والقواعد البرلمانيَّة؛ فالاتِّجاه الذي سلكته المشاركة الطوائفيَّة في السلطة حصر عمليَّة اتِّخاذ القرار بالرؤساء الثلاثة، في إطار ما يسمَّى "الترويكا" (...) ولا أكثريَّة برلمانيَّة ثابثة ومستقرَّة داعمة للحكومة، "الترويكا" هذه تركت انعكاسات مباشرة على النظام البرلماني اللبناني، فشكَّلت انتهاكاً لمبدأ فصل السلطات وأثَّرت سلباً على دور المجلس في مراقبة الحكومة، فكيف يفسَّر أن يمارس مجلس رقابة على حكومة يشارك رئيسه في إتِّخاذ قراراتها؟
وقد أدَّت "الترويكا"، من ناحية ثانية، إلى مصادرة دور مجلس الوزراء الذي نيطت به السلطة الإجرائيَّة، فما يتم الاتِّفاق عليه بين أعضاء "الترويكا" توافق عليه الحكومة، وما يختلفون عليه لا يطرح عليها، كما أدَّت، من ناحية ثانية، إلى ربط العلاقة بين السلطتين الاشتراعيَّة والإجرائيَّة بالعلاقة بين أعضاء "الترويكا" والعلاقات هذه متقلِّبة تستبدُّ بها الأهواء والمصالح الخاصَّة، ولا تقوم على قواعد دستوريَّة ثابتة ومستقرَّة.
إنَّ إعتكاف رئيس الحكومة، في ربيع 1994، لم ينجم عن عرقلة مشاريع الحكومة في المجلس، إنَّما عن خلاف "الترويكا"، ومعالجة أسبابه اقتصرت على معالجة العلاقة بين الرؤساء الثلاثة، من دون أن تتناول العلاقة بين المجلس والحكومة، كما أنَّ ردود الفعل ضد الحكومة في المجلس ناتجة أيضاً، وإلى حد بعيد، عن الأوضاع داخل "الترويكا" نفسها، أكثر ممَّا هي ناتجة عن الرغبة في إقامة معارضة فعليَّة قادرة على ممارسة رقابة فاعلة عليها، وعن ضرورات المحافظة على توازنات سياسيَّة محدَّدة داخل السلطة.
أمَّا على صعيد المشاركة الطوائفيَّة في السلطة، فقد قلَّصت "الترويكا" نطاق المشاركة، وذلك بنقل موقع القرار من مجلس الوزراء الذي يضم وزراء من الطوائف الكبرى السبع، موزَّعين مناصفة بين المسيحيِّين والمسلمين، إلى "الترويكا" التي تضم أعضاء من طوائف ثلاث؛ وعلى الصعيد العام، عزَّزت "الترويكا" الولاءات الطائفيَّة-المذهبيَّة، وفتحت المجال واسعاً أمام تسويات تضمن مصالح أعضائها، في إطار تقاسم الحصص والنفوذ باسم الطوائف-المذاهب، وعلى حساب المصلحة العامَّة والمؤسَّسات الدستوريَّة والإداريَّة.
إنَّ هذا الخلل في بنية النظام السياسي اللبناني سبَّبته عوامل عدَّة؛ فبالإضافة إلى واقع البنية المجتمعيَّة اللبنانيَّة المركَّبة وانعكاساتها على بنية النظام، هناك واقع التبعيَّة السياسيَّة التي ساهمت مساهمة جدِّيَّة في انحراف الممارسة السياسيَّة عن القواعد الدستوريَّة، "ويساعد على عدم تنشيط الكتل البرلمانيَّة وغالبيَّة النوَّاب المستقلِّين غيابُ المحاسبة الشعبيَّة، وعلاقات التبعيَّة السياسيَّة النابعة من واقع بنية لبنان المجتمعيَّة التقليديَّة، التي تشكِّل ضمانة لمواقع بعض السياسيِّين ومن يرتبط بهم، واعتماد البعض على جهات فاعلة كفيلة بالحفاظ على مقاعدهم في المجلس النيابي".
إنَّ الواقع العملي لبنية النظام اللبناني مرتبط ولا شك بالواقع المجتمعي والسياسي؛ وتأثيراته على تبلور نظام سياسي يوفِّق بين البنية المجتمعيَّة-السياسيَّة وبنية النظام السياسي، ليتناسب مع خصوصيَّة لبنان، حيث إنَّ دراسة المؤسَّسات السياسيَّة من المنطلقات الدستوريَّة وحدها لا تكفي لمعرفة طبيعة النظام السياسي والقوى الحقيقيَّة الفاعلة فيه، وبمعنى آخر، لو طبِّق دستوران متشابهان كل التشابه في قطرين مختلفين حضارة وتراثاً وتطلُّعات، لما كان، حتى في القوانين الدستوريَّة الواحدة في كل قطر من القطرين، ضمانة تؤدِّي إلى التشابه في روح النظام السياسي في كل منهما وطبيعته.
إنَّ البحث في الشؤون الديمقراطيَّة مهدَّد في العمق، إذا ظلَّ أسير تصنيفات جامدة أو مستوردة، "فالأبحاث في تصنيف الأنظمة السياسيَّة إلى أنظمة تنافسيَّة وأنظمة مشاركة، وسبل الدمج بينهما حديثة العهد، وهي تالياً في حاجة إلى مزيد من التقصِّي حول ميِّزات المجتمعات المكوَّنة من أقلِّيَّات والقائمة على المشاركة"؛ فهل يمكن صياغة نظام تتطابق فيه القواعد الدستوريَّة مع البنية المجتمعيَّة اللبنانيَّة؟
ثالثاً: هل يمكن مواءمة التصنيف الدستوري والواقع العملي؟
يبدو أنَّ التصنيف الدستوري للنظام اللبناني لا يتواءم مع الواقع العملي، حيث إنَّ تطبيقات النظام اللبناني البرلماني، قد تنحرف بسبب بنيته المجتمعيَّة المركَّبة عن بنية النظام البرلماني لتتفاعل مع نمط مغاير يحتاج لتصنيف جديد؛ وإذا كان النظام البرلماني اللبناني قد اعتمد كنظام حكم للبنان أراده المشترع لتطوير بنيته المجتمعيَّة، لكي تنتقل من الولاءات الطائفيَّة والمذهبيَّة إلى ولاءات سياسيَّة وطنيَّة، فإنَّ الواقع لم يحقِّق ما ابتغاه المنظِّرون والمشرِّعون ليجعل من فكرة تطوير المجتمع اللبناني بعيدة عن التحقيق.
فالتطوُّر التاريخي للبنان في علاقته مع النظام السياسي لم يكن تطوُّراً طبيعيَّاً فرضته التوازنات المجتمعيَّة-السياسيَّة الداخليَّة، حيث "إنَّ النظام البرلماني اللبناني لم ينشأ في سياق التطوُّر التاريخي لبنية لبنان المجتمعيَّة، إنَّما اعتمد في لبنان كأفضل نظام دستوري يتلاءم مع واقع لبنان التعدُّدي؛ وإذا كانت البنية المجتمعيَّة التعدُّديَّة قد عرقلت عمل هذا النظام، والتوازنات الطائفيَّة قد طبعته بطابع خاص، ودفعته باتِّجاه الانحراف عن المسار اللبناني السليم، فلا بدَّ من البحث في إطار الواقع اللبناني المجتمعي، عن الحلول التي تؤدِّي إلى تصحيح مسار هذا النظام".
إنَّه لمن الضروري في الأنظمة السياسيَّة المطبَّقة داخل الدول، أن يتم التعاون معها على قاعدة مواءمتها مع المعطيات المتجدِّدة التي قد تطرأ على بنية النظام في علاقته مع الواقع العملي، لكي لا يبقى المجتمع أسير النظام السياسي وفق التصنيفات الموضوعة، إنَّما كي تتناسب هذه التصنيفات مع الواقع وتتوافق مع البنية المجتمعيَّة، ذلك "أنَّ كل نظام بحد ذاته هو عامل تحجُّر إذا لم تتوفَّر فيه شروط المرونة أو لا يتم تعديله استناداً إلى المعطيات المتجدِّدة".
إذ لا يعمل النظام اللبناني في الواقع العملي وفق المعطيات الدستوريَّة المكتوبة، إنَّما في تعامله مع بنية النظام، يجد من الأعراف والتقاليد سبيلاً لآليَّات تكوين السلطة وانتظامها مع المؤسَّسات السياسيَّة، حيث "تؤكِّد النصوص الدستوريَّة والممارسة أنَّ النظام اللبناني هو عرفي أكثر ممَّا هو مكتوب، والمكتوب لا يغيِّر بالضرورة الأشياء، خصوصاً في ما يتعلَّق بتوزيع السلطة، وصنع القرار، والعلاقة بين السلطة المركزيَّة والهيئات الوسيطة في المجتمع؛ والتعديل الدستوري لا يعني بالضرورة إصلاحاً سياسيَّاً"( )، إذا لم تتَّفق المعطيات الدستوريَّة مع المعطيات المجتمعيَّة لتتم المواءمة بين التصنيف الدستوري والواقع العملي.
إنَّ اختيار نمطٍ دستوريٍّ في بلد من البلدان، وتصنيف نظامه السياسي وفق القواعد العامَّة المعمول بها في الأنظمة المقارنة، لا يقتصر فقط على القواعد الحقوقيَّة الجامدة بقدر ما يعتمد على مدى موافقة البنية المجتمعيَّة لبنية النظام، حيث إنَّ اعتماد نظامٌ توافقيٌّ أو نظامٌ تنافسيٌّ مرتبط بمدى قدرة المجتمع على التفاعل مع هذا النظام أو ذاك، إذ إنَّه لم تتطوَّر عالميَّاً الدراسات الميدانيَّة حول هذا التصنيف منذ مطلع السبعينيَّات بالرغم من كثرة الحالات والبلدان التي تسعى، بخاصَّة في أفريقيا وآسيا والاتِّحاد السوفياتي السابق وبعض البلدان العربيَّة، إلى اعتماد سياقات توافقيَّة وتنافسيَّة في آن"( )؛ ومن هنا الصعوبة في تطبيق نظام مكتوب من منطلق القرارات الدستوريَّة الجامدة التي ترتكز على تصنيفات طبِّقت في بنية اجتماعيَّة قد لا تتَّفق مع البنية التي يطبَّق فيها الدستور المكتوب.
لا يمكن انتقاء نظامٌ سياسيٌّ مطبَّقٌ في دولة من الدول والارتكاز عليه لتطبيقه في دولة أخرى كما هو، دون أي تعديل يتناسب مع البنية المجتمعيَّة التي تتكوَّن منها هذه الدولة، حيث إنَّ المجتمع في غالب الأحيان هو الذي يفرض القاعدة القانونيَّة أكثر ممَّا تفرض القاعدة القانونيَّة التحوُّلات المجتمعيَّة، "فليس الخيار بين نظام محض تنافسي ونظام ائتلافي مسألة إراديَّة، بل ثمرة اختبار تاريخي وغالباً ثمرة معاناة وعلى أثر نزاعات يستحيل فيها مبدأ كل شيء للرابحwinner take all principle أو يكون هذا التحقيق في حال إمكانيَّته، باهظ الكلفة للجميع".
إنَّ مدى نجاح المواءمة بين التصنيف الدستوري والواقع العملي هو الذي يحدِّد مدى نجاح النظام السياسي، وما الضوابط الحقوقيَّة التي تتحدَّد في الدستور إلا تلك التي يكون لها دور في حماية القيم التي نتجت عن تلك المواءمة؛ فثمَّة مجموعات سياسيَّة قد لا تتمكَّن من إبراز دورها السياسي فيما لو لم تتوفَّر لها هذه الضوابط، "لأنَّه إذا ألغيت بعض التدابير الدستوريَّة التوافقيَّة في قاعدة الأكثريَّة في مجتمع سياسي لا تتوفَّر فيه ضوابط حقوقيَّة، فالبديل عن هذه التدابير هو "الفلتان" التَّام لصالح القهر والهيمنة والاستئثار بالسلطة والنفوذ والموارد، فإذا كان تطبيق نمط التوافقيَّة في لبنان اليوم في كثير من جوانبه هو بشكل موحش sauvage، فسبب ذلك لا يقتصر على طبقة سياسيَّة بل أيضاً على نمط في الفكر السياسي يوفِّر الشرعيَّة والبركة لممارسات مناقضة أصلاً لدولة الحق ولأبسط القواعد الحقوقيَّة وذلك تحت شعار: هذا هو النظام!".
فلم تعد الأنظمة السياسيَّة مقتصرة قواعدها على الشكل الخارجي والقواعد العامَّة، تلك التي كانت الدول تنتهجها في الماضي، بل أصبح النظام السياسي يشتمل على جوانب أخرى تطال التطبيقات التي تعترض النظام في الواقع، حيث "كان الفقه الدستوري في الماضي يعرِّف النظام السياسي بأنَّه الشكل الخارجي للسلطة العامَّة وما يتَّصل به من حلول مختلفة تنحصر في الجانب التنظيمي أو الوضعي للسلطة، كتحديد شكل الدولة أو الحكومة ووظائفها القانونيَّة الواردة في النصوص الدستوريَّة، وتحليل هذه النصوص الدستوريَّة والقانونيَّة ضمن حدود الأشكال الخارجيَّة لظاهرة السلطة العامَّة، دون الاهتمام الفعلي لتطبيق هذه النصوص والبحث في كيفيَّة تطبيقها ومدى تفاعلها مع الظروف الاجتماعيَّة والاقتصاديَّة في البلد الذي تطبَّق فيه"( ). غير أنَّه يمكن تعريف النظام السياسي طبقاً للتطوُّر الذي لحقه بأنَّه "مجموعة من القواعد والأسس والأجهزة التي تبيِّن نظام الحكم ووسائل ممارسة السلطة وأهدافها وطبيعتها، وحقوق وواجبات الطبقتين التي يتكوَّن منها كل نظام سياسي: الطبقة الحاكمة، والطبقة المحكومة، ومدى العلاقة بين هاتين الطبقتين على ضوء المفهوم الحديث للأنظمة السياسيَّة، على مختلف العناصر التي تسيطر على الجماعة، وكيفيَّة تفاعل بعضها ببعض بشكل يجعل النظام السياسي نوعاً من التوازن تقف عنده الجماعة في لحظة معيَّنة، فيما يتَّصل بمصدر وبموضوع وبطريقة وضع القانون".
فليس النظام السياسي في علاقته مع الواقع العملي إلا استجابة لمتطلِّبات التوازنات المسيطرة في المجتمع، تحقيقاً لإنتاج السلطة السياسيَّة، لكي لا تبقى فئة طائفيَّة أو عرقيَّة أو ثقافيَّة... أو مجموعة سياسيَّة، خارج مفهوم قيام الدولة ومن ضمن الأطر السياسيَّة القائمة فيها، حيث يمكن العودة إلى الخلفيَّة السياسيَّة والقانونيَّة لفكرة تكوين الدولة؛ فبالرغم من ضرورة اعتراف النظام بالمكوِّنات المجتمعيَّة والسياسيَّة داخل الدولة لتمكينها من المشاركة السياسيَّة بالوسائل الديمقراطيَّة، ينبغي أن لا يؤثِّر ذلك على الفكرة الأساسيَّة التي قامت عليها الدولة والتي تتجسَّد في مفهوم وحدانيَّة السلطة، فالتنوُّع الثقافي والحضاري يجب أن لا يفسد فكرة الدولة لكي لا تصبح كل مجموعة سياسيَّة قائمة تجعل من تمايزها عنصر تفكيك لوحدة الدولة، بل العكس ينبغي أن يسود وهو قيام الدولة الواحدة التي تلتزم جماعاتها السياسيَّة قضايا بعضها البعض دون أن تلغي تمايزها الفكري والحضاري والثقافي.
ففي الأحداث التاريخيَّة التي تناولت تطوُّرات السلطان في العصر الوسيط، ارتسم أصل الفكرة التي نادت بوحدانيَّة الدولة المتمتِّعة بسلطانها الأسمى، "وهذه الفكرة قد راودت الأذهان منذ البدء، ووصفها الفلاسفة (...) قبلاً وصفاً ينمُّ عن مبتغاه، وهو أنَّ سلطان الدولة إنَّما هو في "وحدة سيادة أعمالها" (unité de domination de ses actes)، ومعنى ذلك أنَّ سلطانها لا يكون قائماً إلا إذا كان موحَّداً، وإذ إنَّ الدولة، إنَّما هي في سلطانها قبل كل شيء، فلا يكون ثمَّة دولة إلا إذا كان سلطانها موحَّداً، والحق أنَّ هذه الفكرة التي اتَّخذت شكلاً فلسفيَّاً، قبل أن تتحوَّل إلى مبدأ قانوني، بفضل فقهاء العصر الوسيط، كانت بمثابة ردَّة الفعل تجاه التيَّارات المتناقضة التي كانت تتقاذف الدولة في النظام الإقطاعي عندما كان الحكم فيها موزَّعاً إقليميَّاً، وبموجب القانون العام الذي كان مرعيَّاً، بين النبلاء في إقطاعاتهم المختلفة.
وإزاء الإقطاعيَّة أرادت الدولة أن تثبت وجودها، بوحدة سلطانها، ممَّا دفعها إلى أن تضم إليها الإقطاعيَّات المتفرِّقة والسلطات الموزَّعة، التي اعتبرتها منسلخة عن أصل الدولة الواحدة؛ وفكرة وحدانيَّة الدولة أصبحت اليوم من المبادىء التي يرتكز إليها القانون الحديث".
إنَّ المواءمة بين التصنيف الدستوري والواقع العملي في بنية المجتمع والنظام، تتطلَّب البحث في إيجاد السبل الكفيلة التي تجعل من النظام السياسي يتَّفق في قواعده الدستوريَّة مع التوازنات المجتمعيَّة والسياسيَّة؛ فلمَّا كانت مؤسَّسة مجلس النوَّاب ضامنة للتوازنات المجتمعيَّة والسياسيَّة من خلال قانون انتخاب عصري يلبِّي توجُّهات شرائح المجتمع اللبناني بمختلف أبعادها، ولمَّا كانت مؤسَّسة مجلس الوزراء ضامنة للتوازنات المجتمعيَّة والسياسيَّة، تلك التي يحدِّدها المجلس النيابي المعبِّر عن الإرادة الشعبيَّة، وفق التسوية القائمة على التمثيل العادل للطوائف، والتي جعلت من مجلس الوزراء إطاراً سياسيَّاً مناطة به السلطة الإجرائيَّة.
كان لا بدَّ من مؤسَّسة عليا تضمن التوازن بين مؤسَّستي مجلس النوَّاب ومجلس الوزراء، وقادرة على تحقيق انتظام العمليَّة السياسيَّة وفق القواعد الدستوريَّة تأميناً لسير عمل المؤسَّسات بما يخدم المصلحة الوطنيَّة العليا، هي مؤسَّسة رئاسة الجمهوريَّة؛ ذلك ليس بوصف رئيس الجمهوريَّة ينتمي إلى الطائفة المارونيَّة، كما كانت الحال قبل تعديل الطائف، إنَّما بوصفه رئيساً مؤتمناً على الدستور واستقلال الوطن ورمز وحدته، وقد كفل هذا الدور توافق القوى السياسيَّة على اختلاف توجُّهاتها (موالية ومعارضة) الذي تجسَّد في الدستور وفق ما جاء في المادَّة (49) أنَّ "رئيس الجمهوريَّة هو رئيس الدولة ورمز وحدة الوطن، يسهر على احترام الدستور والمحافظة على استقلال لبنان ووحدة وسلامة أراضيه وفقاً لأحكام الدستور..."؛ وانسجاماً مع القسم الوارد في المادَّة (50) حيث جاء "عندما يقبض رئيس الجمهوريَّة على أزمة الحكم عليه أن يحلف أمام البرلمان يمين الإخلاص للأمَّة والدستور بالنص التالي: "أحلف بالله العظيم أنِّي أحترم دستور الأمَّة اللبنانيَّة وقوانينها وأحفظ استقلال الوطن اللبناني وسلامة أراضيه".
فكيف تتأمَّن وحدانيَّة السلطة ووحدة الوطن واستقلاله ووحدة وسلامة أراضيه (المادة 49) وكيف يحترم الدستور والقوانين وحفظ الاستقلال وسلامة الأرض (المادة 50) ما لم يتمكَّن رئيس الجمهوريَّة من حفظ التوازن وانتظام العمل السياسي بين مؤسَّستي مجلس النوَّاب ومجلس الوزراء؟ وهل المطلوب أن يقبض رئيس الجمهوريَّة على "أزمة" الحكم أم "أزمَّة" الحكم؟ أوليس من الواجب توضيح معنى المصطلحين وتبيان تأثير الفرق بينهما على مفهوم الحكم وبنية المؤسَّسات؟
ما يجب بحثه وتبيانه في روحيَّة الميثاق الوطني (الطائف) أنَّ المؤسَّسات الدستوريَّة (مؤسَّسة رئاسة الجمهوريَّة، مؤسَّسة مجلس النوَّاب، مؤسَّسة مجلس الوزراء) ليست مؤسَّسات طائفيَّة، كما شوَّهتها الممارسة، إنَّما هي مؤسَّسات جامعة للإرادة الوطنيَّة ومحقِّقة للصالح العام، وإنَّ انحراف العمليَّة السياسيَّة في لبنان، بعد اتِّفاق الطائف، باتِّجاه إظهار الرئاسات الثلاث وكأنَّها رئاسات طائفيَّة تختزل عمل المؤسَّسات الدستوريَّة، هو تشويه للدستور، جنحت الممارسة السياسيَّة، من خلاله، عن روحيَّة الميثاق الوطني التي أقامت المؤسَّسات السياسيَّة الجامعة تحقيقاً للوحدة الوطنيَّة، فغدت "الترويكا" بديلاً عن المؤسَّسات ليتكرَّس في الواقع انحراف الممارسة السياسيَّة عن القواعد الدستوريَّة.
وفي الواقع، فإنَّ رئاسة الجمهوريَّة ليست رئاسة مارونيَّة، ممثِّلة للطائفة المارونيَّة، إنَّما هي مؤسَّسة لها صلاحيَّات، ينبغي تبيانها، لكي تستطيع أن تفصل في القضايا الخلافيَّة تحقيقاً لوحدة الوطن، بغية المحافظة على استقلال لبنان ووحدة وسلامة أراضيه؛ كما وأنَّ رئاسة المجلس النيابي ليست رئاسة شيعيَّة ممثِّلة للطائفة الشيعيَّة، إنَّما هي رئاسة تمثِّل توازنات المجلس النيابي بتوجُّهاته وتناقضاته وآرائه المختلفة؛ وهكذا هي رئاسة مجلس الوزراء، هي رئاسة للسلطة التنفيذيَّة التي تمثِّل التوازنات الوطنيَّة الطائفيَّة والسياسيَّة؛ رئيس مجلس الوزراء ليس رئيساً للطائفة السنِّيَّة إنَّما هو رئيس لمجلس الوزراء الضامن لإرادة العيش المشترك.
لقد كان رئيس الجمهوريَّة الماروني، قبل تعديل الطائف، يلعب دور المرجعيَّة السياسيَّة القادرة على تأمين سير المؤسَّسات الدستوريَّة، إلا أنَّ الواقع السياسي، بعد تعديل الطائف، شوَّه عمل المؤسَّسات وأخرج العمليَّة السياسيَّة من توازنات العلاقة بين القوى السياسيَّة والمؤسَّسات الدستوريَّة وفق الديناميَّة الداخليَّة المتَّفقة مع الدستور، إلى تغليب الإرادة السياسيَّة الخارجيَّة ـ خاصَّة السوريَّة ـ على المؤسَّسات الوطنيَّة، لتصبح الدولة برؤوس ثلاثة، تختصر المؤسَّسات (الترويكا) من جهة، وتلعب سوريا دور المرجعيَّة السياسيَّة القادرة على حسم الخلافات، أو تأجيجها، بين أعضاء الترويكا من جهة ثانية، ليتكرَّس واقع سياسي يحتاج من خلاله النظام إلى مرجعيَّة خارجيَّة لتأمين القدرة على انتظام عمل المؤسَّسات، وبدلاً من أن يتفاعل النظام السياسي مع القوى السياسيَّة من خلال المؤسَّسات الدستوريَّة، باتت التدخُّلات الخارجيَّة عائقاً أمام تحقيق التفاعل الطبيعي لانتظام عمل المؤسَّسات وتحديد المرجعيَّة في بنية النظام اللبناني.
إنَّ إناطة السلطة الإجرائيَّة، قبل الطائف، برئيس الجمهوريَّة الماروني، قابله توزيع السلطة على الطوائف، بعده، لتصبح السلطة الإجرائيَّة مناطة بمجلس الوزراء الممثِّل للطوائف اللبنانيَّة، وفق التوازنات السياسيَّة التي تتَّفق مع أحكام الدستور؛ غير أنَّ المرجعيَّة التي كانت قادرة على تحقيق التوازن السياسي بين المؤسَّسات السياسيَّة، جعلها واقع الممارسة السياسيَّة تخرج من الإطار الداخلي للمؤسَّسات الدستوريَّة، لتصبح مرجعيَّة خارجيَّة بعد اتِّفاق الطائف، وهذا من شأنه أن يجعل النظام السياسي غير قادر عن التعبير عن توازناته وفق مؤسَّساته الدستوريَّة.
ولمَّا كان النظام اللبناني (الطائف) غير قادر على التفاعل وفق بنية مؤسَّساته الداخليَّة، بسبب التدخُّلات الخارجيَّة، كان من الطبيعي أن يفقد القدرة على الانتظام وفق محدَّدات الدستور، حيث التراجع في صلاحيَّات رئيس الجمهوريَّة قد شكَّل تراجعاً لدور الطائفة المارونيَّة باتِّجاه الإقرار بالمشاركة السياسيَّة لباقي الطوائف على قدم المساواة في السلطة الإجرائيَّة، إنَّما ليس هو تراجعاً لمؤسَّسة رئاسة الجمهوريَّة التي جعلها الدستور وفق المادَّتين (49) و (50) مرجعيَّة سياسيَّة قادرة على تحقيق التوازن السياسي، بغية انتظام العمليَّة السياسيَّة بما يحقِّق المصلحة الوطنيَّة العليا للدولة، هذا إن استطاع النظام السياسي أن يتفاعل ومؤسَّساته الدستوريَّة، وفق المعادلة الداخليَّة التي ترتكز إلى الديمقراطيَّة، كأساس لتشكيل السلطات المعبِّرة عن الإرادة الشعبيَّة والوطنيَّة.
وهكذا تصبح العلاقة بين مؤسَّسة مجلس النوَّاب الممثِّلة للتوازنات المجتمعيَّة من خلال الانتخابات النيابيَّة، وبين مؤسَّسة مجلس الوزراء الممثِّلة للتوازنات السياسيَّة المنبثقة عن إرادة المجلس النيابي، تحتاج إلى مؤسَّسة قادرة على الفصل بين المؤسَّستين (التشريعيَّة والتنفيذيَّة)، وتوازنهما، هي مؤسَّسة رئاسة الجمهوريَّة، ليس بوصف رئيس الجمهوريَّة ممثِّلاً للطائفة المارونيَّة، إنَّما بكونه مولجاً باحترام الدستور والقوانين وحفظ استقلال الوطن وسلامة أراضيه.
إنَّ إخراج الصفة الشخصانيَّة والطائفيَّة من التجاذب السياسي في لبنان، وإحلال منطق المؤسَّسات، كفيل بتحقيق التوازن المجتمعي والسياسي لكي تتحقَّق الوحدة الوطنيَّة تحقيقاً للمصلحة العليا للدولة؛ فبتصويب البنية المؤسَّساتيَّة في عمل المؤسَّسات الدستوريَّة ترجيح لدور المواطن في انتمائه إلى مؤسَّسات الدولة، بدلاً من الإبقاء على التنافر الطائفي والانقسام العامودي المفتِّتين لوحدة الوطن والدولة، وهذا لا يمكن تحقيقه ما لم تخرج المؤسَّسات من البنية الطائفيَّة إلى البنية المدنيَّة، لكي يصبح التنوُّع الطائفي والثقافي في المجتمع سبيلاً إلى الوحدة الوطنيَّة الجامعة والمحقِّقة لخير الجميع؛ فترجيح مصلحة الطوائف لا يبني الدولة، إنَّما بناء مؤسَّسات الدولة يحقِّق المصلحة العامَّة ويؤسِّس إلى تغليب فكرة الدولة المنحازة إلى تحقيق الخير العام.
يفيدنا ما تقدَّم أنَّه ومن أجل تحقيق وحدانيَّة الدولة اللبنانيَّة، ينبغي أن يتواءم النظام السياسي مع بنية المجتمع، لكي يجعل من فكرة قيام الدولة غير متناقضة مع وحدانيَّة السلطة، فهذا التنوُّع المجتمعي والسياسي إنَّما ينبغي أن يزيد في متانة الدولة لكي تتحقَّق وحدتها، ولا يمكن أن يستمر النظام في مواءمته للتصنيف الدستوري بعيداً عن الواقع العملي، حيث "يبدو أنَّ استقامة عمل المؤسَّسات الدستوريَّة في لبنان، وتصحيح مسار النظام البرلماني فيه، يتطلَّبان تنفيذ سياسات تتناول، في آن معاً، البنيتين المجتمعيَّة والدستوريَّة، نظراً إلى العلاقة بينهما.
ولا يمكن تطوير الممارسة البرلمانيَّة ما لم تتطوَّر أنماط العلاقات السياسيَّة، وهذا لا يتحقَّق ما لم تتحرَّر هذه العلاقات تدريجيَّاً من العصبيَّات الطائفيَّة والمذهبيَّة والعشائريَّة، فيتقدَّم الولاء للوطن والدولة على الولاءات الثانويَّة الضيِّقة، وتتحوَّل الانقسامات الطائفيَّة والمذهبيَّة إلى ولاءات سياسيَّة وطنيَّة".
خلاصة
بين التصنيف الدستوري والواقع العملي لبنية النظام اللبناني يمكن مقاربة صلاحيَّات رئيس الجمهوريَّة اللبنانيَّة؛ وبين البرلمانيَّة الكلاسيكيَّة والتطبيق في بنية النظام السياسي ينبغي المواءمة بين الولاءات الثانويَّة الضيِّقة والولاء للوطن، فيتقدَّم الثاني على الأول، بغية تحرُّر أنماط العلاقات السياسيَّة تدريجيَّاً باتِّجاه تطوير الممارسة البرلمانيَّة.
إنَّ الجدليَّة التي تتحدَّد من خلالها ركائز النظام السياسي في لبنان هي رهن تطوير بنيته المجتمعيَّة– السياسيَّة، فهل تستمر الحياة السياسيَّة في لبنان قائمة على جدليَّة التحاصص السياسي من منطلقات طائفيَّة ومذهبيَّة؟ أم أنَّ جدليَّة الولاء للوطن والدولة تشكِّل المعيار الذي من خلاله يتم قياس الركائز التي ستوضِّح صلاحيَّات رئيس الجمهوريَّة؟
وبناءً عليه ينبغي العمل على:
- توضيح صلاحيَّات رئيس الجمهوريَّة، وتفسير المادَّة (49) من الدستور التي تنص أنَّ "رئيس الجمهوريَّة هو رئيس الدولة ورمز وحدة الوطن، يسهر على احترام الدستور والمحافظة على استقلال لبنان ووحدة وسلامة أراضيه...".
- بيان ما هي الوسائل التي تتيح لرئيس الجمهوريَّة القيام بهذه المهمَّة؟
- تفسير القسم الدستوري في المادَّة (50) من الدستور التي تنص: أحلف بالله العظيم أنِّي أحترم دستور الأمَّة اللبنانيَّة وقوانينها وأحفظ سلامة الوطن اللبناني وسلامة أراضيه"، وما هي الوسائل التي تتيح لرئيس الجمهوريَّة الالتزام بمضمون القسم الدستوري؟
- هل يجب أن يكون رئيس الجمهوريَّة رئيساً وفاقيَّاً تجمع عليه القيادات السياسيَّة؟ أم يمكن انتخابه من الأغلبيَّة النيابيَّة؟
- هل يستطيع رئيس الجمهوريَّة أن يحل مجلس النوَّاب؟
إنَّ الدستور اللبناني يعتريه العديد من الثغرات التي تعيق انتظام عمل المؤسَّسات، إن من جهة تناقض بعض مواده وتضاربها، أو من جهة الغموض في بعض مواده الأخرى وما ترتِّبه من التباسات؛ الأمر الذي جعل من الدستور غير قادر على تلبية متطلِّبات توازنات العلاقة بين القوى السياسيَّة؛ ولقد وضعت الدساتير لتحترم، ولكن لتتغيَّر أيضاً، عندما يصبح النظام السياسي غير قادر على تلبية متطلِّبات التوازنات السياسيَّة؟
|