برعاية وحضور رئيس الجامعة اللبنانية البروفسور بسام بدران وبالتعاون مع معهد العلوم الاجتماعية، كرّمت الجمعية اللبنانية لعلم الاجتماع الراحل الدكتور ملحم شاوول في احتفال بعنوان "تحية محبة ووفاء"، وذلك في قاعة المؤتمرات بالجامعة اللبنانية/مبنى الإدارة المركزية – المتحف.

وحضر حفل التكريم، الذي قدمته الدكتورة ليلى شمس الدين، عدد من الوزراء والنواب والسفراء والدبلوماسيين وعمداء ومدراء كليات في الجامعة اللبنانية والجامعات الخاصة ومدراء معاهد ومراكز تربوية وبحثية ورؤساء جمعيات وروابط أكاديمية وثقافية وأساتذة وباحثين وأصدقاء وأقارب الراحل وإعلاميين.

رئيس الجامعة اللبنانية البروفسور بسام بدران استهل كلمته بالقول: "هنا من الجامعة اللبنانية ومن هذا الصرح الوطني بالذات، لطالما اجتمعنا وجاهدنا وضحينا وناضلنا كل في مجاله واختصاصه، من هنا ومن هذا الصرح لطالما احتفلنا بإنجازات وناقشنا إنتاجات فكرية في شتى العلوم.. أما اليوم فاجتماعنا مختلف، ففي عيننا دمعة وفي قلبنا غصّة، عدنا نجتمع لنكرم زميلاً عزيزًا صاحب القيم الناصعة والمرجعية الفكرية اللامعة والرأي الحر، كان رائدا فكريا أعطى فأجزل بعطائه وخرّج أجيالا وأجيال..".

وأضاف: "الدكتور ملحم شاوول من علماء علم الاجتماع المميّزين، قضى في جامعتنا العمر المديد كطالب وأستاذ، كمدير وباحث…. ملحم شاوول أدى قسطه للعلى بعد أن صال وجال في ميادين الدراسة وترك بصمات لا تعد في الإشراف والمشاركة في الندوات والمؤتمرات".

وأشار الرئيس بدران في كلمته إلى أنّ الجامعة خسرت من كوادرها بفعل الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية التي طالت مختلف القطاعات وأهمها القطاع التربوي الذي تقع عليه مسؤولية بناء الأوطان، وتوجّه إلى المكرّم قائلًا: “ملحم شاوول، نعدك بمتابعة المسيرة والمسار جاهدين في حماية الجامعة وأهلها لتبقى الراية مرفوعة من جيل إلى جيل مهما كانت الظروف صعبة، ستبقى لنا المبادرة وسنسترجع مجد جامعتنا وماضيها وسنسلّم الراية كما سلّمتها لطلابنا وأجيالنا رغم الظروف الصعبة التي نمر بها".

وختم الرئيس بدران كلمته: “الجامعة ستبقى موحّدة متّحدة رئيسًا وعمداء ومدراء وأساتذة وموظفين وطلاب… وستبقى الجامعة منارة لمن اهتدى وخيارًا لمن ابتدا، ولو خسرت الجامعة كوادر مثال الدكتور ملحم لكنها ستبقى نبع المواهب والخريجين".

عميدة معهد العلوم الاجتماعية الدكتورة مارلين حيدر وصفت الدكتور ملحم شاوول بأنّه من أعمدةِ معهدِ العلومِ الاجتماعيةِ الذي تميزَ بالعلمِ والمعرفةِ والعطاء وخرّجَ عشراتِ الدكاترةِ وآلاف الطلاب وتركَ الوَفرَ الغزيرَ من الإنتاجِ الفكريِ والبصماتِ المميزة، وأضافت: “نظرا لكفاءاتهِ العلميةِ والأكاديمية، كلَّفَه أكثرُ من رئيسٍ للجامعةِ اللبنانيةِ بمهامَّ ومناصبَ إدارية، وفقيدُنا هو المديرُ الاسبقُ لمعهدِ العلومِ الاجتماعيةِ الفرعِ الثاني وهوَ الرئيسُ الاسبقُ لمركزِ الابحاثِ فيه وهو ممَّن كُلِّفوا بتقييمِ أداءِ الجامعةِ اللبنانية، وفي كلِّ المهامِّ والمناصبِ التي تولاها كانت لهُ اليدُ الطولي في تطويرِ معهدهِ وجامعتِه.."

من جهته، استهل رئيس الجمعية اللبنانية لعلم الاجتماع الدكتور علي بزّي كلمته بالقول “جميل أن يكرم زميلنا في الصرح الوطني الذي أفنى حياته وهو يناضل في رحابه"، وتوجّه إلى المكرّم الراحل بالقول: “سنفتقدك في معهد العلوم الاجتماعية بعد أن كنت ركنًا من أركانه، صاحب الفكر النقدي والرأي الحر والمدافع عن قضايا الإنسان وحقوقه وعن الديموقراطية والمجتمع المدني… المنظّر لنشوء الدولة اللبنانية الأشد تواضعا والأكثر علمًا".

بعد ذلك، تحدثت الدكتورة هلا عواضة باسم طلاب الراحل ولخصت صفات الراحل بالدماثة العالية والتواضع الشديد وسعة المعرفة والجدة والاختلاف وخفّة الظل.

الإعلامية نعمت عازوري أوسّي تناولت في كلمتها محطات معرفتها للراحل المُكرّم في الجامعة اللبنانية وتلفزيون لبنان والكتابات التي أغنى بها مكتبة علم الاجتماع في لبنان، وقالت: “ملحم شاوول جعل من النشرة الدولية في التلفزيون مختبرًا تفاعليًا مزج فيه العلم بالوقائع وصبّ نبع ثقافته وأبحاثه في النبأ..."

الدكتور نمر فريحة أشار في كلمته إلى أن الدكتور شاوول لم يكن مجردَ شاهدٍ على ما يحصلُ في مجتمعه بل كان دارساً لكل حالةٍ وظاهرة، ولذلك أتت أبحاثُه بمعظمِها لتحاكي واقعَ هذا المجتمع ولتجعلَ حتى من الأزمة موضوعاً فيه فائدةٌ لمن اهتمَ بحقلِ السوسيولوجيا.

أما نائب رئيس جامعة القدّيس جاورجيوس في بيروت الدكتور أنطوان حدّاد فقال في كلمته: "عرفتُ الراحل من خلال أربعة أبعاد دالّة متداخلة - بُعد المولد والنسب، فهو ابن مدينة زحلة منبت الأدباء والشعراء والعلماء، وبُعد الاعتقاد الراسخ بالتجربة اللبنانية وبُعد المواطن العالمي citoyen du monde المفعم بالقيم الانسانية وبقدسية حقوق الانسان والحرية والعدالة والأخوّة الانسانيّة العابرة للحدود والأوطان والجماعات، والبعد الرابع هو ملحم عالم الاجتماع الدقيق المتجرد المترفع فوق المشاعر والانتماءات .. لا يساوم على الحقيقة ولا يتنازل عن حق".

من جهتها، استهلّت الدكتورة ندى شاوول كلمتها بطرح تساؤلات تضمّنت وصفًا للراحل الدكتور شاوول، وقالت: “كيف لي أن أقف أمامكم اليوم وأتكلم عن الحبيب ملحم الغائب، الحاضر دوما بيننا بفعل محبتكم ووفاءكم له، حتى أنكم اتخذتم عنوانا لهذا الحفل التكريمي الذي تفضلتم وبادرتم بتنظيمه في أصعب الظروف”تحية محبة ووفاء”، كيف لي أن اتكلم عن رجل كرّس للعلم والمعرفة حياته كلها دون سواها من الأهداف؟ عن إنسان لم تهواه يوما المناصب والمراكز، رغم أنه كان يستحقها بجدارة وشغلها فعلا بتواضع وحس المسؤولية، خدمة للخير العام ورسالة التربية العليا ومصلحة طلابه الذي أحب؟ كيف لي أن أصف ثورة الشاب المناضل ضد الظلم والفقر وهدر حقوق الشعوب في منطقتنا العربية، وهدوء المفكر الناضج، المحلل في شؤون المجتمع والمدينة والصراعات الإيديولوجية والسياسية؟ كيف لي أن أحيي ذكر إنسان عايشته خلال أربعين سنة دون أن تخذلني يوما أخلاقه العالية ونبل طباعه وترفعه عن صغائر الأمور، كما وصفته يوما زميلة عزيزة له في الجامعة اللبنانية؟”.

في ختام الاحتفال، قدّم رئيس الجامعة اللبنانية وعميدة معهد العلوم الاجتماعية في الجامعة ورئيس الجمعية اللبنانية لعلم الاجتماع لعائلة الراحل ممثّلة بزوجته الدكتورة ندى شاوول لوحة تذكارية منقوشة بالرسم للدكتور شاوول، فيما قدمت الدكتورة شاوول باسم العائلة مجموعة كتب تضمّنت كتابًا للراحل كعربون شكر لكل من الرئيس بدران والعميدة حيدر والدكتور بزّي وعضو لجنة تنسيق الاحتفال ومقدّمته الدكتورة ليلى شمس الدين.