الفقرة الأولى: مداخلة رئيس الجلسة معالي الوزير د. سليم جريصاتي
حبذا لو يستطع المحاضرون وسواهم من فقهاء القانون أن يدرجوا النظام السياسي اللبناني في اطار أكاديمي بحت ، لكي نفقه مضامينه في ضوء الالتباسات والاشكالات التي نعيشها في هذا النظام الذي يمكن تسميته بالنظام الهجين ، وهي تسمية ليس فيها أي انتقاص لنظام لا يدخل في أي اطار أكاديمي معروف.
فالنظام اللبناني يستورد الأزمات تلو الأزمات ولا نستطيع أن نستأنس من لدنه حلاً، وتواكبه أعراف تتبدل مزاجياً في ضوء الظروف ويتداخل فيه النص التأسيسي ( أي الدستور ) مع الميثاق ومع الوثيقة ، فتصبح الوثيقة في جزء منها دستورا وفي جزء آخر " تعهدات وطنية " على حد تعبير العلامة الراحل ادمون رباط:" إنه نظام يلتبس على الجميع".
إن النظام اللبناني يعيش مرحلة من المنافسة التي تكاد تقضي على المفهوم الديمقراطي، ونحن نسمّيها ديمقراطية توافقية، أو اذا ذهبنا الى عبارة فيها نوع من الجبانية نقول ديموقراطية ميثاقية.
وبالعودة الى نص مقدمة دستورنا المقتبسة حرفيا من وثيقة الميثاق الوطني فانها تذكر أن لبنان جمهورية ديموقراطية برلمانية وأن الشعب هو مصدر السلطات ومصدر السيادة، وهو يمارس هذه السلطات وهذه السيادة عبر المؤسسسات الدستورية حتى اذا انفصل عنها بمفهومنا الديموقراطي فقدت المؤسسات الشرعية الشعبية أي الشرعية الدستورية.
ان الخاصيات التي نعرفها في الديموقراطيات نجدها بشكل عام في دستورنا، الا أن ميزة هذا الدستور تبرز من منطلقين أساسيين :
أولاً: أنه منذ العام 1990 أي بعد التعديلات الدستورية ، هو دستور ردة الفعل بامتياز ، في حين أن الدستور هو قبل كل شيء فعل ايمان مشترك بوطن وبنظام وعمل السلطات .
ثانياً: أن نظامنا من ضمن ما سمي بالديموقراطية البرلمانية يعيش منذ العام 1926 مرحلة انتقالية بامتياز.
فكيف نجمع ردة الفعل والانتقال معا في نظام سياسي واحد بعد ما يقارب المئة عام .
هو في مرحلة انتقالية لأنه يعطي الطوائف الحصة الوازنة، لا بل قد تكون الوحيدة . هذه هي المرحلة الانتقالية التي نص عليها الدستور وترسخت في العام 1990، بحيث أضحى نظامنا شبيها بما نسميه كونفدرالية الطوائف .
هذا هو النظام الذي يزعج الجميع ظاهرا ولا نستطيع أن نتآلف معه في معظم الأحيان، والذي ارتضيناه جميعا كردة فعل على أحداث (في الطائف ). هذا هو النظام الذي نعيش في ظله والذي نسعى من حين الى آخر الى تعديله أو تعديل نصوصه الأساسية لكي يصبح أكثر تآلفا مع تطلعاتنا، لاسيما أن الوثيقة تنص في بند يتعلق بقانون الانتخاب على ما يسمى بتطلعات الأجيال القادمة.
فأين هذا النظام من تطلعات أجيالنا القادمة؟.
|