نظم قسم القبالة القانونية والعلاج الإنشغالي في كلية الصحة العامة في الجامعة اللبنانية الفرع الأول، مؤتمرا حول الصحة النفسية برعاية وحضور رئيسة الهيئة الوطنية لشؤون المرأة السيدة كلودين عون روكز، بحضور النائب سليم خوري، عميدة الكلية الدكتورة نينا سعدالله زيدان، مدير الكلية الدكتور سمير طه، مدير مركز البحوث الصناعية الدكتور بسام الفرن، رئيس قسم العلاج الإنشغالي الدكتور سركيس أبي طنوس، رئيسة قسم القبالة الدكتورة زينا قطار، رئيسة مركز ASIL مليحة الصدر وعدد من أعضاء الهيئة التعليمية في كلية الصحة العامة وعدد من الطلاب.
ويهدف المؤتمر إلى "التوعية على أهمية الصحة النفسية في المجتمع اللبناني، وكيفية التعامل مع ضغوطات الحياة اليومية، في العائلة والعمل والمجتمع، وأهمية الصحة النفسية، خصوصا عند مواجهة الأمراض وأهمها مرض السرطان، وكيفية المحافظة على التوازن بين الحياة العملية والعائلية لمواجهة أي تعب ممكن أن يؤدي إلى الاكتئاب. كذلك تحصين الطلاب الجامعيين حول الصحة النفسية ومساعدة الأفراد الذين يعانون من المشاكل النفسية، منعا لوقوعهم فيما بعد في مخاطر الإدمان أو الانتحار".
افتتح المؤتمر بكلمة الدكتورة قطار، قالت فيها: "إن اعتلال الصحة النفسية يؤدي لضعف المناعة الجسدية ومسؤول عن 85% من الامراض الجسدية التي تبدأ بمجرد الحساسية وتنتهي بالامراض المستعصية. الصحة إذا هي حالة من اكتمال السلامة بدنيا وعقليا واجتماعيا لا مجرد انعدام المرض او العجز. وهذا التعريف مقتبس من منظمة الصحة العالمية. في لبنان واحد من كل أربعة أشخاص يختبر مشكلة نفسية في حياته. وتشير إحصاءات قوى الأمن الداخلي إلى أن "حالة انتحار تقع كل ثلاثة أيام في لبنان"، والى أن أبرز دوافع الانتحار هي نفسية وعدم خضوع "الضحايا" لعلاج متخصص، بما يشير إلى تفاقم المعاناة النفسية للمرضى "بصمت" من دون الحصول على اي دعم نفسي واجتماعي وعائلي لازم".
وختمت: "سوف يشارك معنا في هذا النهار نخبة من الاخصائيين في علم النفس والطب النفسي، بالاضافة الى مؤسسات اجتماعية تعنى بالمشاكل النفسية والاجتماعية. كما سيتخلل النهار تدريب على مواجهة التوتر، القلق وحتى المرض من خلال شهادة حياة ومن خلال العلم وتقنيات التفاعل البيولوجي, الاجتماعي - النفسي الايجابي".
طه
ثم ألقى الدكتور طه كلمة أكد فيها أن "الصحة النفسية هي مسؤولية الجميع. وبالتالي فإن الهدف من مبادرة الجامعة هو الانفتاح على مشاركة أكبر من الناس والسكان والمسؤولين المنتخبين والمستخدمين وأسرهم، وكذلك جميع الجهات الفاعلة المعنية بالصحة النفسية".
واضاف:"هدفنا، هو إعطاء الناس الأمل في شفائهم وتقنيات الرعاية والدعم تتطور في هذا الاتجاه. ولدينا في لبنان، في الجامعة اللبنانية وفي الكلية تحديدا، عدد من ذوي الخبرة في إعادة التأهيل النفسي والاجتماعي".
وختم: "طموحاتي كمدير للكلية يكمن في التعاون مع الجهات المعنية في سبيل المصالح العلمية والمهنية ولإعداد الندوات والمؤتمرات واتخاذ الإجراءات المتوافقة مع احتياجات القطاع الصحي بالتعاون مع المهنيين من مختلف القطاعات، وذلك بهدف التقدم في مجال الصحة العامة".
زيدان
وكان للدكتورة زيدان كلمة قالت فيها:" في لبنان، تشكل الصحة النفسية واستخدام المواد المسببة للادمان مشكلة متصاعدة من مشاكل الصحة العامة، لذا أطلقت وزارة الصحة البرنامج الوطني والاستراتيجية للصحة النفسية التي تهدف الى تطوير نظام مستدام يضمن توفير الخدمات العلاجية والوقائية العالية الجودة، من خلال منهج متعدد الاختصاصات، ومبني على الأدلة العلمية".
اضافت: "انطلاقا من هذا التوجه، أقامت كلية الصحة العامة، في أوائل مراحل إطلاق البرنامج، ندوات تدريبية في الصحة النفسية للأساتذة والمعالجين النفسيين والاختصاصيين المهنيين، بالتعاون مع وزارة الصحة العامة ورئيس البرنامج الدكتور ربيع الشماعي، وذلك في إطار مشروع Mental Health Gap Action".
وختمت: "إن شؤون المرأة تعنينا بشكل خاص في كلية الصحة، إذ أن 85% من خريجي كلية الصحة والكادر التعليمي والتدريسي هن من النساء، فنحن على أتم استعداد للتعاون مع الهيئة الوطنية لشؤون المرأة والهيئات النقابية والوزارات المعنية التي تعنى بشؤون وشجون المرأة، الزواج المبكر، العنف الاسري، العنف الجنسي الاكتئاب والصحة بشكل عام . فصحة المرأة ليست فقط حق لها، إنما هي حق لأسرتها، اذ انها المحور الأساسي للعناية بالأسرة".
عون روكز
وفي ختام الجلسة الافتتاحية، ألقت عون روكز كلمة قالت فيها:" يسعدني أن أفتتح معكم هذا اليوم العلمي الذي تكرسونه للتباحث في جوانب مختلفة ترتبط بالصحة النفسية، وبالوضع القائم في لبنان بالنسبة إلى الحفاظ عليها وإلى معالجة ظواهر انتكاساتها. إن صحة الإنسان الجسدية لا تكتمل من دون صحته النفسية، والصحة هي أولا وأخيرا رأس المال الأساسي الذي يستمد منه الإنسان طاقاته الحيوية. فتمتع الإنسان بالصحة النفسية يعني ألا يعاني من الاضطرابات وأن يكون سليما ومعافى من النواحي النفسانية والعاطفية والعقلية، وينظر إلى الصحة النفسية على أنها القدرة النفسية على العمل بشكل متناغم وممتع وفعال. وبحسب منظمة الصحة العالمية، تعرف الصحة النفسية بأنها حالة من الرفاهية التي تمكن الإنسان من إدراك إمكاناته، والتعامل بمرونة مع المواقف الصعبة في الحياة من خلال القدرة على استعادة التوازن، والقدرة على تقديم مساهمة إيجابية في المجتمع".
وتابعت: "كلنا نعلم كم هي مؤثرة الظروف المعيشية التي يحياها الإنسان، على تكونه النفسي وعلى تصرفاته في المجتمع. ولا يمكن الفصل بين البعد الطبي الصرف الذي له أن يعالج الاضطرابات النفسية ذات الأسباب الفيزيولوجية، وبين بعد المعالجات النفسية التي تأخذ بعين الاعتبار مؤثرات المحيط الاجتماعي. وهذا الاعتبار ينطبق بنوع خاص على النساء اللواتي يتعرضنَّ في كافة المجتمعات إلى ضغوط اجتماعية استثنائية ناتجة عن عوامل عدة ترتبط بالتمييز السلبي الذي يعانين منه في غالب الأحيان منذ سنوات الطفولة والذي يرافقهن عبر سنوات الشباب والكهولة".
وأضافت: "التمييز ضد الفتيات وضد النساء يبدأ عندنا منذ سنوات العمر الأولى، إذ أن الرغبة الأولى للوالدين (في معظم الأحيان) هي بأن يرزقا أولا بإبن يحمل اسم العائلة. والتمييز يستمر خلال سنوات الدراسة التي عادة ما تعطي خلالها العائلات الأولوية للذكور إن من ناحية نوعية التعليم أو من ناحية متابعة الاختصاصات العلمية المكلفة. كذلك يستمر التمييز في مجال العمل، حيث لا تزال النساء تتقاضى أجورا تقل عن الأجور التي يتقاضاها الرجال لنفس العمل وذلك خلافا للقانون، هذا على صعيد الممارسات، أما على الصعيد القانوني، وللأسف، لا يزال القانون نفسه يميز ضد المرأة ولا يحميها بما فيه الكفاية. فالمرأة اللبنانية لا تعتبر مواطنة بصفة كاملة، ولا يحق لها نقل جنسيتها إلى أولادها وقوانين الزواج وبعض قوانين الإرث المعمول بها في لبنان لا تعترف لها بالحقوق التي يتمتع بها الرجل، ولا يحميها القانون من التزويج المبكر ولا من التحرش الجنسي في وسائل النقل وأماكن العمل. ولا يزال قانون العقوبات يجيز لمن يجامع فتاة يتراوح عمرها ما بين 15 و 18 سنة أن يفلت من العقاب إن هو تزوجها. كذلك لا يزال قانون الضمان الاجتماعي يميز بين المضمون والمضمونة".
وتابعت: "إننا في الهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية مدركون لما يمثله هذا الإجحاف في الحقوق وهذا التمييز في التعامل مع النساء. و يترجم هذا الضغط الذي يمارس عليهن على الصعيد المعيشي، من خلال شعور بالإحباط وبعدم الثقة بالنفس مما يعيق الشجاعة على المبادرة في إطلاق الأعمال الاقتصادية الجديدة او في الإقدام على الترشح لمناصب قيادية إن كان في الهيئات الطلابية أو المهنية أو الحزبية أو في المجالس التمثيلية المحلية والوطنية في البلديات وفي البرلمان. فالضغوط التي تواجهها النساء إن كان داخل الأسرة أو في مجال العمل أو على صعيد الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية تنعكس سلبا على قدراتهن وتضطرهن إلى العزوف عن الإقدام على تحمل المسؤوليات التي هن جديرات بتحملها. وفي حالات أكثر قساوة تفوق هذه الضغوط قدرات النساء على التحمل فتقعنَّ عند ذلك في الإحباط والكآبة وتنعكس هذه الحالة على أسرة المرأة ومحيطها وتنتج عنها حالات الفشل في استقرار الأسرة وفي تنشئة الأولاد. لذا، ذكرت الاستراتيجية الوطنية للمرأة في لبنان التي تبنتها الحكومة اللبنانية، بضرورة العمل على توفير الخدمات الصحية في ما يتعلق بالصحة النفسية للمرأة".
واردفت: "والجهود التي تقوم بها الهيئة حاليا تركز بشكل أساسي على تطوير البيئة التشريعية الخاصة بالمرأة في لبنان لجهة تنزيه التشريع من الأحكام المميزة ضد المرأة خاصة في قانون الجنسية وقانوني العقوبات والضمان الاجتماعي. كما تجهد الهيئة لتحسين شروط تطبيق قانون حماية الأسرة من العنف وتسهيل عملية وصول النساء إلى حماية قوى الأمن والقضاء وتوفير الخدمات لهن".
وختمت: "وعلى صعيد آخر، تعمل الهيئة على تغيير الصورة النمطية السائدة عن المرأة، بغية تخفيف الضغط الذي يمارسه عليها المجتمع، الذي يصورها على انها كائن ضعيف غير قادر على الاستقلال الذاتي وعلى تحمل المسؤوليات. إننا نعتبر أن عملنا في الهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية يكمل المساعي التي تقومون بها بغية جعل كافة الجهات المسؤولة مدركة لأهمية الحفاظ على الصحة النفسية للمواطنين والمواطنات، كجزء لا يتجزأ من الصحة العامة وكشرط لقيام مجتمع يتميز أفراده بالاتزان وتتميز العلاقات الاجتماعية في إطاره بالاحترام المتبادل بين الأفراد والجماعات والفئات. أدعوكن إلى الدخول في سوق العمل بعد التخرج من الجامعة، والبقاء فيه بعد الزواج حتى ولو كانت ظروفكن صعبة".
وفي ختام الجلسة الافتتاحية جالت عون روكز على مركز الرعاية الصحية ألأولية في الجامعة اللبنانية، الذي يرتكز بشكل رئيسي على الخدمات التي تقدم عند دخول نظام الرعاية الصحية، بما في ذلك المعاينة والتشخيص، والمعالجة المستمرة وإدارة الظروف الصحية، إلى جانب التوعية الصحية والوقاية من الأمراض والجروح واللجوء إلى الإختصاصات في مجال الرعاية الصحية. ويهدف هذا المركز إلى تعزيز الوضع الصحي لمختلف فئات المجتمع المحلي وتوفير خدمات رعاية صحية أولية عالية الجودة، وبكلفة مالية مقبولة من مختلف فئات المجتمع المحلي، وذلك من خلال تقديم خدمات متعددة للأطفال والبالغين من طب عام وطب عائلي، قلب وشرايين، نسائي وتوليد. وتتنوع الخدمات بين الخدمات الطبية: عقم، أطفال وحديثي الولادة، غدد وسكري، أنف وأذن وحنجرة، عيون، تحليل نفسي، تغذية وحمية، والخدمات التشخيصية: صور شعاعية، صور صوتية، تخطيط قلب ودوبلر، فحص الجهد القلبي، تحاليل مخبرية، والخدمات العلاجية: علاج فيزيائي، علاج إنشغالي، علاج النطق واللغة، توفير الأدوية المزمنة وغير المزمنة، والخدمات الداعمة: عمل صحي إجتماعي، تثقيف صحي ومشورة.